فِي حَدِيثِ عُمَرَ يَعْنِي فِي قِصَّةِ السَّقِيفَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ سِيَاقُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَفِيهِ: وَكُنْتُ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً، وَفِي رِوَايَةِ: هَيَّأْتُ فِي نَفْسِي كَلَامًا، قَالَ: فَسَمَّاهُ كَلَامًا قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِهِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ ذَا مَخَارِجَ سُمِعَ كَلَامُهُ ذَا حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذِي مَخَارِجَ فَهُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَالْبَارِي ﷿ لَيْسَ بِذِي مَخَارِجَ، فَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ، فَإِذَا فَهِمَهُ السَّامِعُ تَلَاهُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ وَقَالَ: اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ لِسُوءِ حِفْظِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَفْظُ الصَّوْتِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرِ حَدِيثِهِ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَعْنِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي الَّذِي بَعْدَهُ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَسْمَعُونَ عِنْدَ حُصُولِ الْوَحْيِ صَوْتًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ لِلسَّمَاءِ أَوْ لِلْمَلَكِ الْآتِي بِالْوَحْيِ أَوْ لِأَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الرَّاوِيَ أَرَادَ فَيُنَادِي نِدَاءً فَعَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بِصَوْتٍ انْتَهَى.
وَهَذَا حَاصِلُ كَلَامِ مَنْ يَنْفِي الصَّوْتَ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُسْمِعْ أَحَدًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ كَلَامَهُ بَلْ أَلْهَمَهُمْ إِيَّاهُ، وَحَاصِلُ الِاحْتِجَاجِ لِلنَّفْيِ الرُّجُوعُ إِلَى الْقِيَاسِ عَلَى أَصْوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي عُهِدَ أَنَّهَا ذَاتُ مَخَارِجَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إِذِ الصَّوْتُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ مَخَارِجَ كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالِ أَشِعَّةٍ كَمَا سَبَقَ سَلَّمْنَا، لَكِنْ تَمْنَعُ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ، وَصِفَاتُ الْخَالِقِ لَا تُقَاسُ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذِكْرُ الصَّوْتِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ ثَمَّ، إِمَّا التَّفْوِيضُ وَإِمَّا التَّأْوِيلُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَوْلُهُ: (الدَّيَّانُ) قَالَ الْحَلِيمِيُّ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ مَلِك يَوْمِ الدِّينِ، وَهُوَ الْمُحَاسِبُ الْمُجَازِي لَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ أَبِي قِلَابَةَ الْبِرُّ لَا يَبْلَى وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ وَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمَعْنَى لَا مَلِكَ إِلَّا أَنَا وَلَا مُجَازِي إِلَّا أَنَا، وَهُوَ مِنْ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَفِي هَذَا اللَّفْظِ إِشَارَةٌ إِلَى صِفَةِ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ يَعْنِي أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْمُتَظَالِمِينَ إِنَّمَا يَقَعُ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الرِّقَاقِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قِبَلَ أَخِيهِ مَظْلِمَةٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْمَدِينِيُّ وَسُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحِجْرِ وَسِيَاقُهُ هُنَاكَ أَتَمُّ، وَتَقَدَّمَ مُعْظَمُ شَرْحِهِ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ (يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَأٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ.
قَوْلُهُ: إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ) وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ.
قَوْلُهُ (ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ الصَّلْصَلَةَ.
قَوْلُهُ: (خُضْعَانًا) مَصْدَرٌ كَقَوْلِهِ غُفْرَانًا، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ جَمْعُ خَاضِعٍ.
قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيٌّ) هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ (وَقَالَ غَيْرُهُ صَفَوَانٍ يَنْفُذُهُمْ) قَالَ عِيَاضٌ: ضَبَطُوهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ صَفَوَانٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى وَإِنَّمَا أَرَادَ لِغَيْرِ الْمُبْهَمِ، قَوْلُهُ يَنْفُذُهُمْ وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْفَاءِ أَيْ يَعُمُّهُمْ. قُلْتُ: وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَكِنْ لَا يُفَسَّرُ بِهِ الْغَيْرُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ سُفْيَانَ، وَذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِلَفْظِ صَفْوَانٍ يَنْفُذُ فِيهِمْ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ لَفْظِ الْإِنْفَاذِ أَيْ يَنْفُذُ اللَّهُ ذَلِكَ الْقَوْلَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، أَوْ مِنَ النُّفُوذِ أَيْ يَنْفُذُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ غَيْرُ سُفْيَانَ، قَالَ: إِنَّ صَفَوَانٍ بِفَتْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute