وَالِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ لَا غَافِرَ لِلذَّنْبِ سِوَاهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الذُّنُوبَ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ مِائَةَ مَرَّةٍ بَلْ أَلْفًا وَأَكْثَرَ وَتَابَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ أَوْ تَابَ عَنِ الْجَمِيعِ تَوْبَةً وَاحِدَةً صَحَّتْ تَوْبَتُهُ، وَقَوْلُهُ: اعْمَلْ مَا شِئْتَ مَعْنَاهُ مَا دُمْتَ تُذْنِبَ فَتَتُوبَ غَفَرْتُ لَكَ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقُلْ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَيَكُونُ ذَنْبًا وَكَذِبًا إِنْ لَمْ تَفْعَلْ بَلْ قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا حَسَنٌ، وَأَمَّا كَرَاهِيَةُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَتَسْمِيَتُهُ كَذِبًا فَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَطْلُبُ مَغْفِرَتَهُ وَلَيْسَ هَذَا كَذِبًا، قَالَ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
قُلْتُ: هَذَا فِي لَفْظِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ، وَأَمَّا أَتُوبُ إِلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي عَنَى الرَّبِيعُ ﵀ أَنَّهُ كَذِبٌ وَهُوَ كَذَلِكَ إِذَا قَالَهُ وَلَمْ يَفْعَلِ التَّوْبَةَ كَمَا قَالَ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا إِذَا قَالَهَا وَفَعَلَ شُرُوطَ التَّوْبَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّبِيعُ قَصَدَ مَجْمُوعَ اللَّفْظَيْنِ لَا خُصُوصَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَيَصِحُّ كَلَامُهُ كُلُّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَأَيْتُ فِي الْحَلَبِيَّاتِ لِلسُّبْكِيِّ الْكَبِيرِ: الِاسْتِغْفَارُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ إِمَّا بِاللِّسَانِ أَوْ بِالْقَلْبِ أَوْ بِهِمَا، فَالْأَوَّلُ فِيهِ نَفْعٌ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنَ السُّكُوتِ؛ وَلِأَنَّهُ يَعْتَادُ قَوْلَ الْخَيْرِ، وَالثَّانِي نَافِعٌ جِدًّا، وَالثَّالِثُ أَبْلَغُ مِنْهُمَا لَكِنَّهُمَا لَا يُمَحِّصَانِ الذَّنْبَ حَتَّى تُوجَدَ التَّوْبَةُ، فَإِنَّ الْعَاصِي الْمُصِرَّ يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وُجُودَ التَّوْبَةِ مِنْهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ هُوَ غَيْرُ مَعْنَى التَّوْبَةِ هُوَ بِحَسَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ؛ لَكِنَّهُ غَلَبَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّ لَفْظَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مَعْنَاهُ التَّوْبَةُ فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَقَدَهُ فَهُوَ يُرِيدُ التَّوِبَةَ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالِاسْتِغْفَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ.
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِرْ. وَقَالَ لي خَلِيفَةُ:، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِزْ، فَسَّرَهُ قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُحَرِّقُوهُ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ.
قَوْلُهُ: مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ، وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ.
قَوْلُهُ (عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الرِّقَاقِ مَعَ سَائِرِ شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ - أَوْ - فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَوَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ قَبْلَهُمْ وَقَدْ مَضَى فِي الرِّقَاقِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعْتَمِرٍ بِلَفْظِ: ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ كَانَ سَلَفَ قَبْلَكُمْ وَلَمْ يَشُكَّ وَقَوْلُهُ: قَالَ كَلِمَةً يَعْنِي أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا، فِي رِوَايَةِ مُوسَى آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا وَقَوْلُهُ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ هُوَ بِنَصْبِ أَيٍّ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كُنْتُ، وَجَازَ تَقْدِيمُهُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَجَوَابُهُمْ بِقَوْلِهِمْ خَيْرَ أَبٍ الْأَجْوَدُ النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ كُنْتَ خَيْرَ أَبٍ فَيُوَافِقُ مَا هُوَ جَوَابٌ عَنْهُ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِتَقْدِيرِ: أَنْتَ خَيْرُ أَبٍ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ تَقَدَّمَ عَزْوُ هَذَا الشَّكِّ أَنَّهَا بِالرَّاءِ أَوْ بِالزَّايِ لِرِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ تَبَعًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، وَقَدْ وَجَدْتُهَا هُنَا فِيمَا عِنْدَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ شُيُوخِهِ، وَقَوْلُهُ: فَاسْحَقُونِي أَوْ قَالَ فَاسْحَكُونِي فِي رِوَايَةِ مُوسَى مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ أَوْ قَالَ فَاسْهَكُونِي بِالْهَاءِ بَدَلَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشَّكُّ هَلْ قَالَهَا بِالْقَافِ أَوِ الْكَافِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَاسْحَلُونِي يَعْنِي بِاللَّامِ ثُمَّ قَالَ مَعْنَاهُ أَبْرِدُونِي بِالسَّحْلِ وَهُوَ الْمِبْرَدُ، وَيُقَالُ لِلْبُرَادَةِ سُحَالَةٌ وَأَمَّا اسْحَكُونِي بِالْكَافِ
فَأَصْلُهُ السَّحْقُ، فَأُبْدِلَتِ الْقَافُ كَافًا وَمِثْلُهُ السَّهَكُ بِالْهَاءِ وَالْكَافِ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ الْقَائِلُ هُوَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَذَهِلَ الْكِرْمَانِيُ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ قَتَادَةُ وَأَبُو عُثْمَان هُوَ النَّهْدِيُّ، وَقَوْلُهُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ إِلَى آخِرِهِ سَلْمَانُ هُوَ الْفَارِسِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ مَعْرُوفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute