للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَنَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا السَّنَدِ بِالنِّسْبَةِ لِهَمَّامٍ دَرَجَةً، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ لِمُسْلِمٍ عَالِيًا فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ، نَعَمْ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ نَازِلًا كَالْبُخَارِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّه هُوَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ التَّابِعِيُّ الْمَشْهُورُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَشَرَةُ أَحَادِيثَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَاسْمُ أَبِيهِ كُنْيَتُهُ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ صَحَابِيٌّ، وَيُقَالُ إِنَّ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ رُؤْيَةٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ آخَرُ أَدْرَكَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ نُسِبَ لِجَدِّهِ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا هُوَ ابْنُ أَخِي الرَّاوِي عَنْهُ.

قَوْلُهُ (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا) كَذَا تَكَرَّرَ هَذَا الشَّكُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَلَفْظُهُ عَنِ النَّبِيِّ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ ﷿ قَالَ أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْمَوَاضِعِ.

قَوْلُهُ: فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ) بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ وَالْفِعْلِ الْمَاضِي.

قَوْلُهُ (وَيَأْخُذُ بِهِ) أَيْ يُعَاقِبُ فَاعِلَهُ، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ.

قَوْلُهُ: ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ) أَيْ مِنَ الزَّمَانِ وَسَقَطَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادٍ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا) فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ.

قَوْلُهُ: فِي آخِرِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي) فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُصِرَّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ مُغَلِّبًا الْحَسَنَةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا وَهِيَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ لَهُ رَبًّا خَالِقًا يُعَذِّبُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ وَاسْتِغْفَارُهُ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَلَا حَسَنَةَ أَعْظَمُ مِنَ التَّوْحِيدِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ اسْتِغْفَارَهُ رَبَّهُ تَوْبَةٌ مِنْهُ قُلْنَا لَيْسَ الِاسْتِغْفَارُ أَكْثَرَ مِنْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَقَدْ يَطْلُبُهَا الْمُصِرُّ وَالتَّائِبُ وَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ تَائِبٌ مِمَّا سَأَلَ الْغُفْرَانَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَدَّ التَّوْبَةِ الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنْبِ وَالْعَزْمُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ وَالْإِقْلَاعُ عَنْهُ وَالِاسْتِغْفَارُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَالَ غَيْرُهُ: شُرُوطُ التَّوْبَةِ ثَلَاثَةٌ: الْإِقْلَاعُ وَالنَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ، وَالتَّعْبِيرُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الذَّنْبِ لَا يُفِيدُ مَعْنَى النَّدَمِ بَلْ هُوَ إِلَى مَعْنَى الْإِقْلَاعِ أَقْرَبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ تَحَقُّقُ النَّدَمِ عَلَى وُقُوعِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِقْلَاعَ عَنْهُ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فَهُمَا نَاشِئَانِ عَنِ النَّدَمِ لَا أَصْلَانِ مَعَهُ وَمِنْ ثُمَّ جَاءَ الْحَدِيثُ: النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَصَحَّحَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ التَّوْبَةِ مِنْ أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ مُسْتَوْفًى، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى عَظِيمِ فَائِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَعَلَى عَظِيمِ فَضْلِ اللَّهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَحِلْمِهِ وَكَرَمِهِ؛ لَكِنَّ هَذَا الِاسْتِغْفَارُ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي الْقَلْبِ مُقَارِنًا لِلِّسَانِ لِيَنْحَلَّ بِهِ عَقْدُ الْإِصْرَارِ وَيَحْصُلَ مَعَهُ النَّدَمُ فَهُوَ تَرْجَمَةٌ لِلتَّوْبَةِ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ: خِيَارُكُمْ كُلُّ مُفْتَنٍ تَوَّابٍ، وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الذَّنْبُ وَالتَّوْبَةُ فَكُلَّمَا وَقَعَ فِي الذَّنْبِ عَادَ إِلَى التَّوْبَةِ لَا مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُصِرٌّ عَلَى تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، فَهَذَا الَّذِي اسْتِغْفَارُهُ يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ.

قُلْتُ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ وَالرَّاجِحُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُسْتَغْفِرُ إِلَى آخِرِهِ مَوْقُوفٌ وَأَوَّلُهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَحَدِيثُ خِيَارُكُمْ كُلُّ مُفْتَنٍ تَوَّابٍ ذَكَرَهُ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَلِيٍّ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفَائِدَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الذَّنْبِ وَإِنْ كَانَ أَقْبَحَ مِنَ ابْتِدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ انْضَافَ إِلَى مُلَابَسَةِ الذَّنْبِ نَقْضُ التَّوْبَةِ؛ لَكِنَّ الْعَوْدَ إِلَى التَّوْبَةِ أَحْسَنُ مِنَ ابْتِدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ انْضَافَ إِلَيْهَا مُلَازَمَةُ الطَّلَبِ مِنَ الْكَرِيمِ وَالْإِلْحَاحُ فِي سُؤَالِهِ