للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنِ اعْتِرَاضِ مَنِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ فَقَالَ: أَرَادَ بِالْمَصْدَرِ مَا حُذِفَتْ زَوَائِدُهُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَإِنْ أَهْلِكْ فَذَلِكَ حِينَ قَدْرِي أَيْ تَقْدِيرِي فَرَدَّهُ إِلَى أَصْلِهِ، وَإِنَّمَا تَحْذِفُ الْعَرَبُ الزَّوَائِدَ لِتَرُدَّ الْكَلِمَةَ إِلَى أَصْلِهَا، وَأَمَّا الْمَصْدَرُ الْمُقْسِطُ الْجَارِي عَلَى فِعْلِهِ فَهُوَ الْإِقْسَاطُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْمُرَادُ بِالْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفُ الزَّوَائِدِ نَظَرًا إِلَى أَصْلِهِ، فَهُوَ مَصْدَرُ مَصْدَرِهِ إِذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْمَصْدَرَ الْجَارِيَ عَلَى فِعْلِهِ هُوَ الْإِقْسَاطُ، فَإِنْ قِيلَ: الْمَزِيدُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ؟ قُلْتُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقِسْطِ بِالْكَسْرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقَسْطِ بِالْفَتْحِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْجَوْرِ وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ وَالْإِزَالَةِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ وَقِيلَ: بَلْ عَرَبِيٌّ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ لَقَبٌ، وَاسْمُهُ مَجْمَعٌ، وَقِيلَ مَعْمَرٌ، وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَكُنْيَةُ أَحْمَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الصَّفَّارُ الْحَضْرَمِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: آخِرُ مَا لَقِيتُهُ بِمِصْرَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرَّخَ ابْنُ حِبَّانَ وَفَاتَهُ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانَ عَشْرَةَ. قُلْتُ: وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابٍ وَلَا مُحَمَّدِ بْنِ إِشْكَابٍ قَرَابَةٌ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ) أَيِ ابْنِ غَزْوَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ وَفِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: وَجْهُ الْغَرَابَةِ فِيهِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَشَيْخِهِ وَشَيْخِ شَيْخِهِ وَصَاحِبَيْهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عُمَارَةَ) فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.

قَوْلُهُ: (كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِتَقْدِيمِ حَبِيبَتَانِ وَتَأْخِيرِ ثَقِيلَتَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ وَفِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِتَقْدِيمِ خَفِيفَتَانِ وَتَأْخِيرِ حَبِيبَتَانِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ وَكَذَا عِنْدَ الْبَاقِينَ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَمَنْ سَيَأْتِي عَنْ شُيُوخِهِمْ، وَفِي قَوْلِهِ كَلِمَتَانِ إِطْلَاقُ كَلِمَةٍ عَلَى الْكَلَامِ وَهُوَ مِثْلُ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَقَوْلُهُ كَلِمَتَانِ هُوَ الْخَبَرُ وَحَبِيبَتَانِ وَمَا بَعْدَهَا صِفَةٌ وَالْمُبْتَدَأُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ، وَالنُّكْتَةُ فِي تَقْدِيمِ الْخَبَرِ تَشْوِيقُ السَّامِعِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ وَكُلَّمَا طَالَ الْكَلَامُ فِي وَصْفِ الْخَبَرِ حَسُنَ تَقْدِيمُهُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ تَزِيدُ السَّامِعَ شَوْقًا، وَقَوْلُهُ حَبِيبَتَانِ أَيْ مَحْبُوبَتَانِ، وَالْمَعْنَى: مَحْبُوبٌ قَائِلُهُمَا، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَوْلُهُ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ هُوَ مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ: وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُوزَنُ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: فَإِنْ قِيلَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَوْصُوفُهُ مَعَهُ، فَلِمَ عَدَلَ عَنِ التَّذْكِيرِ إِلَى التَّأْنِيثِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ وَأَيْضًا فَهُوَ فِي الْمُفْرَدِ لَا الْمُثَنَّى سَلَّمْنَا لَكِنْ أَنَّثَ لِمُنَاسَبَةِ الثَّقِيلَتَيْنِ وَالْخَفِيفَتَيْنِ، أَوْ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفَاعِلِ لَا الْمَفْعُولِ وَالتَّاءُ لِنَقْلِ اللَّفْظَةِ مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ لَكِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ كَمَنْ يَقُولُ: خُذْ ذَبِيحَتَكَ لِلشَّاةِ الَّتِي لَمْ تُذْبَحْ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا الْفِعْلُ فَهِيَ ذَبِيحٌ حَقِيقَةً، وَخَصَّ لَفْظَ الرَّحْمَنِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ بَيَانُ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ حَيْثُ يُجَازِي عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ بِالثَّوَابِ الْكَثِيرِ.

قَوْلُهُ: (خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ) وَصَفَهُمَا بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ لِبَيَانِ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ، وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ سَجْعٌ مُسْتَعْذَبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ بَيَانُ الْجَائِزِ مِنْهُ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَكَذَا فِي الْحُدُودِ فِي حَدِيثِ سَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا كَانَ مُتَكَلَّفًا أَوْ مُتَضَمِّنًا لِبَاطِلٍ لَا مَا جَاءَ عَفْوًا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ، وَقَوْلُهُ خَفِيفَتَانِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قِلَّةِ كَلَامِهِمَا وَأَحْرُفِهِمَا وَرَشَاقَتِهِمَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْخِفَّةُ مُسْتَعَارَةٌ لِلسُّهُولَةِ وَشَبَّهَ سُهُولَةَ جَرَيَانِهَا عَلَى اللِّسَانِ بِمَا خَفَّ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ