للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ فَلَا تُتْعِبُهُ كَالشَّيْءِ الثَّقِيلِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَائِرَ التَّكَالِيفِ صَعْبَةٌ شَاقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ ثَقِيلَةٌ وَهَذِهِ سَهْلَةٌ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا تُثْقِلُ الْمِيزَانَ كَثِقَلِ الشَّاقِّ مِنَ التَّكَالِيفِ، وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ السَّلَفِ عَنْ سَبَبِ ثِقَلِ الْحَسَنَةِ وَخِفَّةِ السَّيِّئَةِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْحَسَنَةَ حَضَرَتْ مَرَارَتُهَا وَغَابَتْ حَلَاوَتُهَا فَثَقُلَتْ فَلَا يَحْمِلَنَّكَ ثِقَلُهَا عَلَى تَرْكِهَا، وَالسَّيِّئَةُ حَضَرَتْ حَلَاوَتُهَا وَغَابَتْ مَرَارَتُهَا فَلِذَلِكَ خَفَّتْ فَلَا يَحْمِلَنَّكَ خِفَّتُهَا عَلَى ارْتِكَابِهَا.

قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي بَابِ فَضْلِ التَّسْبِيحِ مِنْ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَبِحَمْدِهِ) قِيلَ: الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: أُسَبِّحُ اللَّهَ مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِي لَهُ مِنْ أَجْلِ تَوْفِيقِهِ، وَقِيلَ: عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ أُسَبِّحُ اللَّهَ وَأَتَلَبَّسُ بِحَمْدِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَمْدِ لَازِمُهُ أَوْ مَا يُوجِبُ الْحَمْدَ مِنَ التَّوْفِيقِ وَنَحْوِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ مُتَقَدِّمٍ، وَالتَّقْدِيرُ: وَأُثْنِي عَلَيْهِ بِحَمْدِهِ فَيَكُونُ سُبْحَانَ اللَّهِ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً وَبِحَمْدِهِ جُمْلَةً أُخْرَى، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، أَيْ بِقُوَّتِكَ الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ تُوجِبُ عَلَيَّ حَمْدَكَ سَبَّحْتُكَ لَا بِحَوْلِي وَبِقُوَّتِي، كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أُقِيمَ فِيهِ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ، وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَلَى ثُبُوتِ وَبِحَمْدِهِ، إِلَّا أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْهُ لَمْ يَقُلْ أَكْثَرُهُمْ وَبِحَمْدِهِ.

قُلْتُ: وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ بَقِيَّةِ مَنْ سَمَّيْتُ مِنْ شُيُوخِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ آدَمَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْأَحْمَسِيِّ، وَابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ كَأَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ وَالْحُسَيْنِ.

قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ) هَكَذَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِتَقْدِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَتَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَاتِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ بِتَقْدِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَكَذَا عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ سَمَّيْتُهُ قَبْلُ، وَقَدْ وَقَعَ لِي بِعُلُوٍّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ لِمُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْهُ بِثُبُوتِ وَبِحَمْدِهِ وَتَقْدِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذِهِ الْفَضَائِلُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الذِّكْرِ إِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ الشَّرَفِ فِي الدِّينِ وَالْكَمَالِ كَالطَّهَارَةِ مِنَ الْحَرَامِ وَالْمَعَاصِي الْعِظَامِ، فَلَا تَظُنَّ أَنَّ مَنْ أَدْمَنَ الذِّكْرَ وَأَصَرَّ عَلَى مَا شَاءَهُ مِنْ شَهَوَاتِهِ وَانْتَهَكَ دِينَ اللَّهِ وَحُرُمَاتِهِ أَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالْمُطَهَّرِينَ الْمُقَدَّسِينَ وَيَبْلُغُ مَنَازِلَهُمْ بِكَلَامٍ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ لَيْسَ مَعَهُ تَقْوَى وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: صِفَاتُ اللَّهِ وُجُودِيَّةٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَهِيَ صِفَاتُ الْإِكْرَامِ، وَعَدَمِيَّةٌ كَلَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مِثْلَ لَهُ وَهِيَ صِفَاتُ الْجَلَالِ، فَالتَّسْبِيحُ إِشَارَةٌ إِلَى صِفَاتِ الْجَلَالِ، وَالتَّحْمِيدُ إِشَارَةٌ إِلَى صِفَاتِ الْإِكْرَامِ، وَتَرْكُ التَّقْيِيدِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ، وَالْمَعْنَى أُنَزِّهُهُ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَأَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ، قَالَ: وَالنَّظْمُ الطَّبِيعِيُّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ التَّحْلِيَةِ عَلَى التَّخْلِيَةِ، فَقَدَّمَ التَّسْبِيحَ الدَّالَّ عَلَى التَّخَلِّي عَلَى التَّحْمِيدِ الدَّالِّ عَلَى التَّحَلِّي، وَقَدَّمَ لَفْظَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَوَصَفَهُ بِالْعَظِيمِ؛ لِأَنَّهُ الشَّامِلُ لِسَلْبِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَإِثْبَاتِ مَا يَلِيقُ بِهِ إِذِ الْعَظَمَةُ الْكَامِلَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِعَدَمِ النَّظِيرِ وَالْمَثِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَا الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ التَّسْبِيحَ مُتَلَبِّسًا بِالْحَمْدِ لِيُعْلَمَ ثُبُوتُ الْكَمَالِ لَهُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَكَرَّرَهُ تَأْكِيدًا وَلِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِشَأْنِ التَّنْزِيهِ أَكْثَرُ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمُخَالِفِينَ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ نَحْوِ سُبْحَانَ، وسَبِّحْ بِلَفْظِ الْأَمْرِ، وسَبَّحَ بِلَفْظِ الْمَاضِي، ويُسَبِّحُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ، وَلِأَنَّ التَّنْزِيهَاتِ تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ بِخِلَافِ الْكَمَالَاتِ فَإِنَّهَا تَقْصُرُ عَنْ إِدْرَاكِ حَقَائِقِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْحَقَائِقُ الْإِلَهِيَّةُ لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِطَرِيقِ