مُقَطَّعًا كَمَا سَيَأْتِي، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي كَيْفِيَّةُ مَقْتَلِ الْمَذْكُورِينَ بِبَدْرٍ وَزِيَادَةُ بَيَانٍ فِي أَحْوَالِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ هُنَا الْقُدْرَةُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَلِلنَّسَائِيِّ وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَكَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا.
قَوْلُهُ: (صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ) فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ الدُّعَاءِ الْمَاضِي، فَيَكُونُ فِيهِ عَلَمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ أَنْ أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، وَزَادَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ إِلَّا أُمَيَّةَ فَإِنَّهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ، زَادَ لِأَنَّهُ كَانَ بَادِنًا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِلْقَائِهِمْ فِيهِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهِمْ، وَإِلَّا فَالْحَرْبِيُّ لَا يَجِبُ دَفْنُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِئْرَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ مَعِينٌ.
قَوْلُهُ: (قَلِيبِ بَدْرٍ) بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، وَالْقَلِيبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ هُوَ الْبِئْرُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ وَقِيلَ: الْعَادِيَّةُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا.
(فَائِدَةٌ): رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَجْلَحُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ قِصَّةَ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سُؤَالِهِ إِيَّاهُ عَنِ الْقِصَّةِ، وَضَرْبِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، أَبَا جَهْلٍ وَشَجِّهِ إِيَّاهُ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ فِي السِّيرَةِ، وَأَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَشَارَ إِلَى تَفَرُّدِ الْأَجْلَحِ بِهَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ الدُّعَاءِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْكُفَّارِ، وَمَا ازْدَادَتْ عِنْد الْمُسْلِمِينَ إِلَّا تَعْظِيمًا، وَفِيهِ مَعْرِفَةُ الْكُفَّارِ بِصِدْقِهِ ﷺ ; لِخَوْفِهِمْ مِنْ دُعَائِهِ، وَلَكِنْ حَمَلَهُمُ الْحَسَدُ عَلَى تَرْكِ الِانْقِيَادِ لَهُ، وَفِيهِ حِلْمُهُ ﷺ عَمَّنْ آذَاهُ، فَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمْ أَرَهُ دَعَا عَلَيْهِمْ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوا الدُّعَاءَ حِينَئِذٍ لِمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ ﷺ حَالَ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ ثَلَاثًا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَحَلُّهُ مَا إِذَا كَانَ كَافِرًا، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالدُّعَاءُ بِالتَّوْبَةِ، وَلَوْ قِيلَ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الدُّعَاءِ عَلَى الْكَافِرِ لَمَا كَانَ بَعِيدًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اطَّلَعَ ﷺ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورِينَ لَا يُؤْمِنُونَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُدْعَى لِكُلِّ حَيٍّ بِالْهِدَايَةِ، وَفِيهِ قُوَّةُ نَفْسِ
فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ مِنْ صِغَرِهَا لِشَرَفِهَا فِي قَوْمِهَا وَنَفْسِهَا ; لِكَوْنِهَا صَرَخَتْ بِشَتْمِهِمْ وَهُمْ رُؤُوسُ قُرَيْشٍ فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ آكَدُ مِنَ السَّبَبِ وَالْإِعَانَةِ لِقَوْلِهِ فِي عُقْبَةَ أَشْقَى الْقَوْمِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْهُ كُفْرًا وَأَذًى لِلنَّبِيِّ ﷺ، لَكِنَّ الشَّقَاءَ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ ; لِأَنَّهُمُ اشْتَرَكُوا فِي الْأَمْرِ وَالرِّضَا وَانْفَرَدَ عُقْبَةُ بِالْمُبَاشَرَةِ فَكَانَ أَشْقَاهُمْ، وَلِهَذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ وَقُتِلَ هُوَ صَبْرًا.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ حَدَثَ لَهُ فِي صِلَاتِهِ مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا ابْتِدَاءً لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ تَمَادَى، وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةً فَأَزَالَهَا فِي الْحَالِ وَلَا أَثَرَ لَهَا صَحَّتْ اتِّفَاقًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ فَرْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَعَلَى أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى مَا سَبَقَ أَوْلَى، وَتُعُقِّبَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْفَرْثَ لَمْ يُفْرَدْ بَلْ كَانَ مَعَ الدَّمِ كَمَا فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ، وَالدَّمُ نَجِسٌ اتِّفَاقًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَرْثَ وَالدَّمَ كَانَا دَاخِلَ السَّلَى وَجِلْدَةُ السَّلَى الظَّاهِرَةُ طَاهِرَةٌ فَكَانَ كَحَمْلِ الْقَارُورَةِ الْمُرَصَّصَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا ذَبِيحَةُ وَثَنِيٍّ، فَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا نَجِسَةٌ ; لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ التَّعَبُّدِ بِتَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَارِيخٍ وَلَا يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَالُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْجَوَابُ الْمَرْضِيُّ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَعْلَمْ مَا وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَاسْتَمَرَّ فِي سُجُودِهِ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ فَالْوَقْتُ مُوَسَّعٌ فَلَعَلَّهُ أَعَادَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَ لَنُقِلَ وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute