وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَحْيَى، وَلَيْسَ الْحُسَيْنُ بِمُدَلِّسٍ، وَعَنْعَنَةُ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ إِذَا لَقِيَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَحْيَى بِالتَّحْدِيثِ وَلَفْظُهُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَلَمْ يَنْفَرِدِ الْحُسَيْنُ مَعَ ذَلِكَ بِهِ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى أَيْضًا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ شَاهِينَ، وَشَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ هُنَاكَ عَلَى فَوَائِدِ هَذَا الْإِسْنَادِ وَأَلْفَاظِ الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ) فِيهِ الْتِفَاتٌ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقُولَ فَأَمَرُونِي أَوْ هُوَ مَقُولُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ فَيَكُونُ مُرْسَلًا. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْجَامِعِ الَّذِي فِي ضِمْنِ إِذَا جَامَعَ وَجَزَمَ أَيْضًا بِأَنَّهُ عَنْ عُثْمَانَ إِفْتَاءٌ وَرِوَايَةٌ مَرْفُوعَةٌ، وَعَنِ الْبَاقِينَ إِفْتَاءٌ فَقَطْ.
قُلْتُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ أَمَرُوهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ عُثْمَانُ، فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي عَدَمِ الرَّفْعِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ الرَّفْعُ ; لِأَنَّ عُثْمَانَ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ وَحَدَّثَهُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَالْمِثْلِيَّةُ تَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَيْضًا أَفْتَوْهُ وَحَدَّثُوهُ، وَقَدْ صَرَّحَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِالرَّفْعِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ وَلَفْظُهُ: فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ غَيْرُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ مُعَلَّقًا، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ بِالْإِسْنَادَيْنِ مَعًا.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ وَهْمٌ ; لِأَنَّ أَبَا أَيُّوبَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَمَا قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ سَمِعَهُ مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِ السِّيَاقِ ; لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قِصَّةً لَيْسَتْ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَكْبَرُ قَدْرًا وَسِنًّا وَعِلْمًا مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ عُرْوَةَ مِنْ بَابِ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ ; لِأَنَّهُمَا تَابِعِيَّانِ فَقِيهَانِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ; لِأَنَّهُمَا فَقِيهَانِ صَحَابِيَّانِ كَبِيرَانِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَقَدْ حَكَى الْأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ مَعْلُولٌ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ الْفَتْوَى بِخِلَافِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ حَكَى يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ شَاذٌّ.
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ اتِّصَالِ إِسْنَادِهِ وَحِفْظِ رُوَاتِهِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ نَحْوَ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ، فَلَيْسَ هُوَ فَرْدًا، وَأَمَّا كَوْنُهُمْ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ نَاسِخُهُ، فَذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ مَنْسُوخٍ وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الصِّنَاعَةِ الْحَدِيثِيَّةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالْوُضُوءِ إِذَا لَمْ يُنْزِلِ الْمُجَامِعُ مَنْسُوخٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى النَّسْخِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ. صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، كَذَا قَالَ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى عِلَّتِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَهُ مِنْ سَهْلٍ.
نَعَمْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، وَلِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيْضًا عِلَّةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَفِي الْجُمْلَةِ هُوَ إِسْنَادٌ صَالِحٌ لِأَنْ يُحْتَجَّ بِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ. عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ ; لِأَنَّهُ بِالْمَنْطُوقِ، وَتَرْكُ الْغُسْلِ مِنْ حَدِيثِ الْمَاءِ