هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَامًّا مَشْرُوحًا قَبْلُ بِبَابٍ. وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ: فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ عَلَى الِالْتِفَاتِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ:
حَدِيثُ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ. . . الْحَدِيثَ. لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: بِعُمْرَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَصْحَابَ مَالِكٍ ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ وَحَذَفَهَا بَعْضُهُمْ، وَاسْتُشْكِلَ كَيْفَ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ مَعَ قَوْلِهَا: وَلَمْ تُحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟! وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بقَوْلُهَا بِعُمْرَةٍ؛ أَيْ أنَّ إِحْرَامَهُمْ بعُمْرَةٍ كَانَ سَبَبًا لِسُرْعَةِ حِلِّهِمْ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يُحِلَّ بِالْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي بَقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ كَوْنَهُ أَهْدَى، وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ سَابِعَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَوَّلِ حَدِيثِ الْبَابِ: فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يُحِلَّ. وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مُتَضَافِرَةٌ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ كَوْنُهُ أَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ حَجَّهُ كَانَ مُفْرَدًا.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ لِمَنْ قَالَ كَانَ مُفْرَدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ انْفِصَالٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ قَالَ بِهِ اسْتُشْكِلَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ عَلَّلَ عَدَمَ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِ الْهَدْيِ، لِأَنَّ عَدَمَ التَّحَلُّلِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ كَانَ قَارِنًا عِنْدَهُ، وَجَنَحَ الْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى تَوْهِيمِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ غَيْرُهُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ - عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ انْفِرَادِهِ - بِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ، فَيَجِبُ قَبُولُهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ، فَقَدْ تَابَعَهُ أَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ حُفَّاظٌ أَصْحَابُ نَافِعٍ، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ؛ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِدُونِهَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ، وَلَا تُنَافِي هَذِهِ رِوَايَةَ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْقَارِنَ لَا يَحِلُّ مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَا مِنَ الْحَجِّ حَتَّى يَنْحَرَ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِأَنَّهُ ﷺ كَانَ مُتَمَتِّعًا كَمَا سَيَأْتِي، لِأَنَّ قَوْلَ حَفْصَةَ: وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ وَقَوْلُهُ هُوَ: حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا.
وَأَجَابَ مَنْ قَالَ كَانَ مُفْرِدًا عَنْ قَوْلِهِ: وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ إِحْرَامِكَ الَّذِي ابْتَدَأَتْهُ مَعَهُمْ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ حَجِّكَ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَمَرْتَ أَصْحَابِكَ، قَالُوا: وَقَدْ تَأْتِي مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ، كَقَوْلِهِ ﷿: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾؛ أَيْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ بِعُمْرَةٍ مِنْ إِحْرَامِكَ، وَقِيلَ: ظَنَّتْ أَنَّهُ فَسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ، فَقَالَتْ: لِمَ لَمْ تَحِلَّ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ عُمْرَتِكَ؟ وَلَا يَخْفَى مَا فِي بَعْضِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ مِنَ التَّعَسُّفِ. وَالَّذِي تَجْتَمِعُ بِهِ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ ﷺ كَانَ قَارِنًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ أَهَلَّ بِهِ مُفْرِدًا، لَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا أَهَلَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُمَرَ مَرْفُوعًا: وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ: ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا: إنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ: جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
وَلِلدَّارقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى؛ ثَلَاثَتُهُمْ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ. وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا نُصْرَةً لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ ﷺ كَانَ مُفْرِدًا، فَنُقِلَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ - أَنَّهُ سَمِعَهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا - أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute