مَشْرُوعِيَّةِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ، وَفُضَيْلٌ بِالتَّصْغِيرِ، وَغَزْوَانُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الزَّايَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ) كَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ نَحْوُهُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: فَسَكَتَ إِلَخْ، بَلْ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِمْ أَعْلَمُ: قَالَ: هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، فَقِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ: لَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ يَوْمَ النَّحْرِ إِنَّمَا تُشْرَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ قَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إِنَّ بَعْضَهُمْ بَادَرَ بِالْجَوَابِ وَبَعْضَهُمْ سَكَتَ، وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ إِنَّهُمْ فَوَّضُوا أَوَّلًا كُلُّهُمْ بِقَوْلِهِمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَلَمَّا سَكَتَ أَجَابَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَقِيلَ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ بِلَفْظَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فَخَامَةٌ لَيْسَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِقَوْلِهِ فِيهِ أَتَدْرُونَ سَكَتُوا عَنِ الْجَوَابِ، بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِخُلُوِّهِ عَنْ ذَلِكَ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْكِرْمَانِيُّ. وَقِيلَ: فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ اخْتِصَارٌ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، فَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ قَوْلَهُمْ: يَوْمٌ حَرَامٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ قَرَّرُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: بَلَى، وَسَكَتَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ ذِكْرِ جَوَابِهِمْ، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا بِاخْتِصَارٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ فِي: (بَابِ قَوْلِهِ: رُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ).
قَوْلُهُ: (يَوْمٌ حَرَامٌ) أَيْ يَحْرُمُ فِيهِ الْقِتَالُ، وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ، وَكَذَلِكَ الْبَلَدُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مُسْتَوْعِبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (فَأَعَادَهَا مِرَارًا) لَمْ أَقِفْ عَلَى عَدَدِهَا صَرِيحًا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا كَعَادَتِهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: إِلَى السَّمَاءِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ) يُرِيدُ بِذَلِكَ الْكَلَامَ الْأَخِيرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ فُضَيْلٍ بِإِسْنَادِ الْبَابِ بِلَفْظِ: ثُمَّ قَالَ أَلَا فَلْيُبَلِّغْ إِلَخْ، وَهُوَ يُوَضِّحُ مَا قُلْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (إِلَى أُمَّتِهِ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ: إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى رَبِّهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ، وَالْمُقَدَّمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِمَا.
(تَنْبِيهٌ): لِسِتَّةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ مِنْ أَيَّامِ ذِي الْحِجَّةِ أَسْمَاءُ: الثَّامِنُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَالتَّاسِعُ عَرَفَةَ، وَالْعَاشِرُ النَّحْرِ، وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْقُرِّ، وَالثَّانِيَ عَشَرَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ النَّفْرِ الثَّانِي. وَذَكَرَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ السَّابِعَ يُسَمَّى يَوْمَ الزِّينَةِ، وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ.
قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: (أَخْبَرَنَا عَمْرٌو) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ.
وَقَوْلُهُ: (يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي فِي: بَابِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَبَعْدَهُ مُتَّصِلًا: يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ بِقَوْلِهِ: مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ. الْحَدِيثَ، وَذَكَرَهُ بَعْدَهُ بِبَابٍ عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدْ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو) أَيْ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ تَابَعَ شُعْبَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَصْلُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَلَفْظُهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَجِدْ فَذَكَرَهُ، فَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَ الْخُطْبَةِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْجُعْفِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ، وَقُرَّةُ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْحِمْيَرِيُّ، وَإِنَّمَا كَانَ عِنْدَ ابْنِ سِيرِينَ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْوِلَايَاتِ وَكَانَ حميدًا زَاهِدًا.
قَوْلُهُ: (أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ) بِنَصْبِ يَوْمٍ