للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ وَالتَّقْدِيرُ أَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ لَيْسَ، وَالتَّقْدِيرُ أَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ هَذَا الْيَوْمَ، وَالْأَوَّلُ أَوْضَحُ، لَكِنْ يُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِي قَوْلُهُ: أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ أَيْ أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ هَذَا الشَّهْرَ.

قَوْلُهُ: (بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ) كَذَا فِيهِ بِتَأْنِيثِ الْبَلَدِ وَتَذْكِيرِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ اضْمَحَلَّ مِنْهُ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ وَصَارَ اسْمًا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُقَالُ إِنَّ الْبَلْدَةَ اسْمٌ خَاصٌّ بِمَكَّةَ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ﴾، وَقَالَ الطَّيِّبِيُّ: الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَامِلِ، وَهِيَ الْجَامِعَةُ لِلْخَيْرِ الْمُسْتَجْمِعَةُ لِلْكَمَالِ، كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ تُسَمَّى الْبَيْتَ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا ذَلِكَ. وَقَدِ اخْتَصَرْتُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ لِلتُّورِبِشْتِيِّ.

قَوْلُهُ: (إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ) بِفَتْحِ يَوْمٍ وَكَسْرِهِ مَعَ التَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ، وَتَرْكُ التَّنْوِينِ مَعَ الْكَسْرِ هُوَ الَّذِي ثَبَتَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَعَادَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنَّ يُبَلِّغَ، فَأَشْهَدَ اللَّهَ عَلَى أَنَّهُ أَدَّى مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ. وَالْمُبَلَّغُ بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ: رُبَّ شَخْصٍ بَلَغَهُ كَلَامِي فَكَانَ أَحْفَظَ لَهُ وَأَفْهَمَ لِمَعْنَاهُ مِنَ الَّذِي نَقَلَهُ لَهُ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْ يَكُونُ لَهُ مِنَ الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ مَا لَيْسَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ رُبَّ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّقْلِيلِ. قُلْتُ: هِيَ فِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ فِي التَّكْثِيرِ بِحَيْثُ غَلَبَتْ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ يُؤَيِّدُ أَنَّ التَّقْلِيلَ هُنَا مُرَادٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَقَدَّمَتْ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ: عَسَى أَنْ يَبْلُغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ.

فِي الْحَدِيثِ دِلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَحَمُّلِ الْحَدِيثِ لِمَنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ وَلَا فِقْهَهُ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ، وَيَجُوزُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ، وَفِيهِ تَأْكِيدُ التَّحْرِيمِ وَتَغْلِيظُهُ بِأَبْلَغِ مُمْكِنٍ مِنْ تَكْرَارٍ وَنَحْوِهِ، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَإِلْحَاقِ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ لِيَكُونَ أَوْضَحَ لِلسَّامِعِ، وَإِنَّمَا شَبَّهَ حُرْمَةَ الدَّمِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ بِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ وَلَا يَرَوْنَ هَتْكَ حُرْمَتِهَا وَيَعِيبُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ السُّؤَالَ عَنْهَا تَذْكَارًا لِحُرْمَتِهَا وَتَقْرِيرًا لِمَا ثَبَتَ فِي نُفُوسِهِمْ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا أَرَادَ تَقْرِيرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَرِوَايَتُهُ عَنْ جَدِّهِ.

قَوْلُهُ: (أَفَتَدْرُونَ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ الْمُطَرِّزِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: أَوَتَدْرُونَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ زَايٌ خَفِيفَةٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَلَّى، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وَعَنْ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ دُحَيْمٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْجَمَرَاتِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ فِيهِ تَعْيِينُ الْبُقْعَةِ الَّتِي وَقَفَ فِيهَا، كَمَا أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا تَعْيِينَ الْمَكَانِ، كَمَا أَنَّ فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ تَعْيِينَ الْيَوْمِ، وَوَقَعَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ مِنَ الْيَوْمِ فِي رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ عُمَرَ، وَالْمُزَنِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَلَفْظُهُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى. الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ) هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ مَنْ ذُكِرَ أَوَّلًا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

قَوْلُهُ: (بِهَذَا) أَيْ: بِالْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ أَصْلَ الْحَدِيثِ وَأَصْلَ مَعْنَاهُ، لَكِنَّ السِّيَاقَ مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ فِي طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُمْ أَجَابُوا بِقَوْلِهِمْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَفِي هَذَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ فِي أَجْوِبَتِهِمْ قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّهُمْ أَجَابُوا أَوَّلًا بِالتَّفْوِيضِ فَلَمَّا سَكَتَ أَجَابُوا بِالْمَطْلُوبِ. وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ: قَوْلُهُ بِهَذَا