الْكَعْبَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ قَتَلَ ابْنَ خَطَلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ مَعَ إِرْسَالِهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الْبِرِّ وَالصِّلَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ نَفْسِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي تَعْيِينِ قَاتِلِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَلَاذِرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، وَتُحْمَلُ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُمُ ابْتَدَرُوا قَتْلَهُ فَكَانَ الْمُبَاشِرَ لَهُ مِنْهُمْ أَبُو بَرْزَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ شَارَكَهُ فِيهِ، فَقَدْ جَزَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ بِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُرَيْثٍ، وَأَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَمَّى قَاتِلَهُ سَعِيدَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ هُوَ الَّذِي قَتَلَ ابْنَ خَطَلٍ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: فَأُخِذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ مِنْ تَحْتِ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقُتِلَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَزَمْزَمَ وَقَدْ جَمَعَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ أَسْمَاءَ مَنْ لَمْ يُؤَمَّنْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَأُمِرَ بِقَتْلِهِ عَشْرَةَ أَنْفُسٍ: سِتَّةَ رِجَالٍ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ. وَالسَّبَبُ فِي قَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ وَعَدَمِ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ مَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ قَالَ: لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ، إِلَّا نَفَرًا سَمَّاهُمْ، فَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُصَدَّقًا، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى يَخْدُمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَنَامَ وَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا، فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ وَابْنَ خَطَلٍ، وَقَالَ: أَطِيعَا الْأَنْصَارِيَّ حَتَّى تَرْجِعَا، فَقَتَلَ ابْنُ خَطَلٍ الْأَنْصَارِيَّ وَهَرَبَ الْمُزَنِيُّ، وَكَانَ مِمَّنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ ﷺ دَمَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ.
وَمِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ كَانَ أَهْدَرَ دَمَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ الْفَتْحِ غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَكَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَوَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ أَبِي زُنَيْمٍ، وَقَيْنَتَا ابْنِ خَطَلٍ، وَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ اسْمِهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى عَبْدَ الْعُزَّى، فَلَمَّا أَسْلَمَ سُمِّيَ عَبْدَ اللَّهِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ هِلَالٌ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ بِأَخٍ لَهُ اسْمُهُ هِلَالٌ، بَيَّنَ ذَلِكَ الْكَلْبِيُّ فِي النَّسَبِ، وَقِيلَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالِ بْنِ خَطَلٍ، وَقِيلَ: غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ، وَاسْمُ خَطَلٍ عَبْدُ مَنَافٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ فِهْرِ بْنِ غَالِبٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ ﷺ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مَالِكٌ رَاوِي الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ فِيمَا نَرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا اهـ. وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ جَازِمًا بِهِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ وَغَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: لَمْ يَدْخُلِ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ إِلَّا مُحْرِمًا إِلَّا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَزَعَمَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّ بَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْمِغْفَرِ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ مُعَارَضَةٌ، وَتَعَقَّبُوهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ دُخُولِهِ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، ثُمَّ أَزَالَهُ وَلَبِسَ الْعِمَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَكَى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا رَآهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ: أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَكَانَتِ الْخُطْبَةُ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الدُّخُولِ، وَهَذَا الْجَمْعُ لِعِيَاضٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يُجْمَعُ بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute