للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَصِيَّتَهُ، وَيَجْمَعَ فِيهَا مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْأَجْرُ وَيُحْبِطُ عَنْهُ الْوِزْرَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: لَهُ شَيْءٌ أَوْ لَهُ مَالٌ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَمَنَعَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَمُطْلَقُهَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ، لَكِنَّ السَّلَفَ خَصُّوهَا بِالْمَرِيضِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فِي الْخَبَرِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ، وَقَوْلُهُ: مَكْتُوبَةٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِخَطِّهِ أَوْ بِغَيْرِ خَطِّهِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُهِمَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تُضْبَطَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ مِنَ الضَّبْطِ بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ يَخُونُ غَالِبًا. الْحَدِيثُ الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ) هُوَ بَغْدَادِيٌّ سَكَنَ نَيْسَابُورَ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَشَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ وَأَدَاةُ الْكُنْيَةِ هُوَ الْكَرْمَانِيُّ وَلَيْسَ هُوَ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيَّ صَاحِبَ اللَّيْثِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْخُزَاعِيُّ الْمُصْطَلِقِيُّ أَخُو جُوَيْرِيَةَ بِالْجِيمِ وَالتَّصْغِيرِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ أَبِي إِسْحَاقَ لَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فِي الْخُمُسِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً) أَيْ فِي الرِّقِّ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ رَقِيقِ النَّبِيِّ Object فِي جَمِيعِ الْأَخْبَارِ كَانَ إِمَّا مَاتَ وَإِمَّا أَعْتَقَهُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَارِيَةَ وَالِدَةَ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ Object عَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ Object، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مَاتَتْ فِي حَيَاتِهِ Object فَلَا حُجَّةَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْئًا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَا شَاةً وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرٍ، نَعَمْ رَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ Object دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً) سَيَأْتِي ذِكْرُ الْبَغْلَةِ وَالسِّلَاحِ فِي آخِرِ الْمَغَازِي، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي: وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَحَادِيثُ الْبَابِ مُطَابِقَةٌ لِلتَّرْجَمَةِ إِلَّا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيَّةِ ذِكْرٌ، قَالَ: لَكِنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُوصًى بِهَا فَتُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَحْصُلُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَقْفِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِبَقَائِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي هُوَ شَبِيهُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ Object أَوْصَى.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَإِسْنَادُهُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ، وَقَوْلُهُ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ هُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ، ظَاهِرُهُ أَنَّ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ لَمْ يَنْسُبْهُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ ابْنُ مَغُولٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ مَالِكَ بْنَ مَغُولٍ تَفَرَّدَ بِهِ.

قَوْلُهُ: (هَلْ كَانَ النَّبِيُّ Object أَوْصَى؟ فَقَالَ: لَا) هَكَذَا أَطْلَقَ الْجَوَابَ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ وَصِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَلِذَلِكَ سَاغَ نَفْيُهَا، لَا أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي: هَلْ قَالَ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ، أَوْ قَالَ: كَيْفَ أُمِرُوا بِهَا؟ زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُوصِ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الِاعْتِرَاضُ، أَيْ كَيْفَ يُؤْمَرُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ وَلَا يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ Object؟ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَعَلَّ ابْنَ أَبِي أَوْفَى أَرَادَ لَمْ يُوصِ بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بَعْدَهُ مَالًا، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَقَدْ سَبَّلَهَا فِي حَيَاتِهِ، وَأَمَّا السِّلَاحُ وَالْبَغْلَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهَا لَا تُورَثُ عَنْهُ بَلْ جَمِيعُ مَا يَخْلُفُهُ صَدَقَةٌ، فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُوصِي بِهِ مِنَ الْجِهَةِ الْمَالِيَّةِ.

وَأَمَّا الْوَصَايَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُرِدِ ابْنُ أَبِي أَوْفَى نَفْيَهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ وَصِيَّتَهُ إِلَى عَلِيٍّ بِالْخِلَافَةِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ