للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَفْعَلْ لِأَنَّكَ إِنْ مُتَّ تَرَكْتَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ وَإِنْ عِشْتَ تَصَدَّقْتَ وَأَنْفَقْتَ فَالْأَجْرُ حَاصِلٌ لَكَ فِي الْحَالَيْنِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ كَذَا أَطْلَقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا مُقَيَّدَةً بِابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ، وَعَلَّقَ حُصُولَ الْأَجْرِ بِذَلِكَ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ أَجْرَ الْوَاجِبِ يَزْدَادُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَاجِبٌ، وَفِي فِعْلِهِ الْأَجْرَ، فَإِذَا نَوَى بِهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ازْدَادَ أَجْرُهُ بِذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: وَنَبَّهَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى اللُّقْمَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَفَقَةٍ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَتَجْعَلُهَا الْخَبَرُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَوَجْهُ تَعَلُّقِ قَوْلِهِ: وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلَخْ بِقِصَّةِ الْوَصِيَّةِ أَنَّ سُؤَالَ سَعْدٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَغِبَ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْرِ، فَلَمَّا مَنَعَهُ الشَّارِعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ قَالَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسْلِيَةِ: إِنَّ جَمِيعَ مَا تَفْعَلُهُ فِي مَالِكَ مِنْ صَدَقَةٍ نَاجِزَةٍ وَمِنْ نَفَقَةٍ وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً تُؤْجَرُ بِهَا إِذَا ابْتَغَيْتَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَعَلَّهُ خَصَّ الْمَرْأَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُسْتَمِرَّةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ أَنَّ الثَّوَابَ فِي الْإِنْفَاقِ مَشْرُوطٌ بِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ، وَهَذَا عُسْرٌ إِذَا عَارَضَهُ مُقْتَضَى الشَّهْوَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى يَبْتَغِيَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، وَسَبَقَ تَخْلِيصُ هَذَا الْمَقْصُودِ مِمَّا يَشُوبُهُ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُدِّيَتْ عَلَى قَصْدِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ أُثِيبَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ لَا تَخْصِيصَ لَهُ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ وَلَفْظَةُ حَتَّى هُنَا تَقْتَضِي الْمُبَالَغَةَ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْأَجْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى، كَمَا يُقَالُ جَاءَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةُ.

قَوْلُهُ: (وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ) أَيْ يُطِيلَ عُمْرَكَ، وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ، فَإِنَّهُ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَزِيدَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً بَلْ قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ، لِأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَيَكُونُ عَاشَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ أَوْ ثَمَانِيًا وَأَرْبَعِينَ.

قَوْلُهُ: (فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) أَيْ يَنْتَفِعَ بِكَ الْمُسْلِمُونَ بِالْغَنَائِمِ مِمَّا سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ، وَيُضَرَّ بِكَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَهْلِكُونَ عَلَى يَدَيْكَ. وَزَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْعِ بِهِ مَا وَق عَ مِنَ الْفُتُوحِ عَلَى يَدَيْهِ كَالْقَادِسِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَبِالضَّرَرِ مَا وَقَعَ مِنْ تَأْمِيرِ وَلَدِهِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَمَنْ مَعَهُ، وَهُوَ كَلَامٌ مَرْدُودٌ لِتَكَلُّفِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ تَحْمِلُ عَلَى إِرَادَةِ الضَّرَرِ الصَّادِرِ مِنْ وَلَدِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ هُوَ الضَّرَرُ الْمَذْكُورُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُفَّارِ.

وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ هَذَا فَقَالَ: لَمَّا أُمِّرَ سَعْدٌ عَلَى الْعِرَاقِ أُتِيَ بِقَوْمٍ ارْتَدُّوا فَاسْتَتَابَهُمْ فَتَابَ بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُمْ، فَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ تَابَ وَحَصَلَ الضَّرَرُ لِلْآخَرِينَ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَعَلَّ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّرَجِّي لَكِنَّهَا مِنَ اللَّهِ لِلْأَمْرِ الْوَاقِعِ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَرَدَتْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ غَالِبًا.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ) فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَنَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَا يَرِثُنِي مِنَ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ خَوَاصِّ الْوَرَثَةِ أَوْ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لِسَعْدٍ عَصَبَاتٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانُوا كَثِيرًا. وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَرِثُنِي مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، أَوْ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ عَلَى تَقْدِيرِ لَا يَرِثُنِي مِمَّنْ أَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ وَالْعَجْزَ إِلَّا هِيَ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ، أَوِ اسْتَكْثَرَ لَهَا نِصْفَ التَّرِكَةِ. وَهَذِهِ الْبِنْتُ زَعَمَ بَعْضُ مِنْ أَدْرَكْنَاهُ أَنَّ اسْمَهَا عَائِشَةُ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهِيَ غَيْرُ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ الَّتِي رَوَتْ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَفِي الطِّبِّ، وَهِيَ تَابِعِيَّةٌ عَمَّرَتْ حَتَّى أَدْرَكَهَا مَالِكٌ وَرَوَى عَنْهَا وَمَاتَتْ سَنَةَ مَائَةٍ وسَبْعِ عَشْرَةَ،