وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيُّ قَالَ: كَيْمَا يُصَدِّقَنِي، وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ ﴿رِدْءًا﴾ أَيْ عَوْنًا.
قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ مُغِيثًا أَوْ مُعِينًا) يَعْنِي بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ ; قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ أَيْ مُعِينًا، يُقَالُ فِيهِ أَرْدَأْتُ فُلَانًا عَلَى عَدُوِّهِ أَيْ أَكْنَفْتُهُ وَأَعَنْتُهُ، أَيْ صِرْتُ لَهُ كَنَفًا.
قَوْلُهُ: (يَبْطِشُ وَيَبْطُشُ) يَعْنِي بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِضَمِّهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾ بِالطَّاءِ مَكْسُورَةً وَمَضْمُومَةً لُغَتَانِ. قُلْتُ: الْكَسْرُ الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى﴾ وَالضَّمُّ قِرَاءَةُ ابْنِ جَعْفَرٍ، وَرُوِيَتْ عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: ﴿يَأْتَمِرُونَ﴾ يَتَشَاوَرُونَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ أَيْ يَهُمُّونَ بِكَ وَيَتَآمَرُونَ وَيَتَشَاوَرُونَ انْتَهَى. وَهِيَ بِمَعْنَى يَتَآمَرُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا شِيمَةً … وَفِي كُلِّ حَادِثَةٍ يُؤْتَمَرُ
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: مَعْنَاهُ يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَقَوْلِهِ: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾
قَوْلُهُ: (وَالْجَذْوَةُ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الْخَشَبِ لَيْسَ لَهَا لَهَبٌ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ أَيْ قِطْعَةٍ غَلِيظَةٍ مِنَ الْحَطَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا … جَزْلَ الْجِذَا غَيْرَ خَوَّارٍ وَلَا دَعِرِ
وَالْجَذْوَةُ مُثَلَّثَةُ الْجِيمِ.
قَوْلُهُ: ﴿سَنَشُدُّ﴾ سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ أَيْ سَنُقَوِّيكَ بِهِ وَنُعِينُكَ، تَقُولُ شَدَّ فُلَانٌ عَضُدَ فُلَانٍ إِذَا أَعَانَهُ، وَهُوَ مِنْ عَاضَدْتُهُ عَلَى أَمْرِهِ أَيْ عَاوَنْتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ كُلَّمَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ فَهِيَ عُقْدَةٌ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾: الْعُقْدَةُ فِي اللِّسَانِ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ كَانَتْ فِيهِ مُسْكَةٌ مِنْ تَمْتَمَةٍ أَوْ فَأْفَأَةٍ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ: لَمَّا تَحَرَّكَ مُوسَى أَخَذَتْهُ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تُرْقِصُهُ ثُمَّ نَاوَلَتْهُ لِفِرْعَوْنَ، فَأَخَذَ مُوسَى بِلِحْيَتِهِ فَنَتَفَهَا، فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ الذَّبَّاحِينَ، فَقَالَتْ آسِيَةُ إِنَّهُ صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ، فَوَضَعَتْ لَهُ جَمْرًا وَيَاقُوتًا وَقَالَتْ: إِنْ أَخَذَ الْيَاقُوتَ فَاذْبَحْهُ وَإِنْ أَخَذَ الْجَمْرَةَ فَاعْرِفْ أَنَّهُ لَا يَعْقِلُ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَطَرَحَ فِي يَدِهِ جَمْرَةً فَطَرَحَهَا فِي فِيهِ فَاحْتَرَقَ لِسَانُهُ فَصَارَتْ فِي لِسَانِهِ عُقْدَةٌ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَ ذَلِكَ، والتَّمْتَمَةُ هِيَ التَّرَدُّدُ فِي النُّطْقِ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ، وَالْفَأْفَأَةُ بِالْهَمْزَةِ التَّرَدُّدُ فِي النُّطْقِ بِالْفَاءِ.
قَوْلُهُ: ﴿أَزْرِي﴾ ظَهْرِي) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ أَيْ ظَهْرِي، وَيُقَالُ: قَدْ أَزَرَنِي أَيْ كَانَ لِي ظَهْرًا وَمُعِينًا. وَأَوْرَدَ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ قَالَ: ظَهْرِي.
قَوْلُهُ: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ﴾ فَيُهْلِكَكُمْ) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ منْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: وَتَقُولُ سَحَتَهُ وَأَسْحَتَهُ بِمَعْنًى، قَالَ الطَّبَرِيُّ: سَحَتَ أَكْثَرُ مِنْ أَسْحَتَ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فَيُسْحِتَكُمْ، أَيْ يَسْتَأْصِلَكُمْ، وَالْخِطَابُ لِلسَّحَرَةِ، وَيُقَالُ إِنَّ اسْمَ رُؤَسَائِهِمْ غادون، وساتور، وخطخط، والمصفا.
قَوْلُهُ: ﴿الْمُثْلَى﴾ تَأْنِيثُ الْأَمْثَلِ يَقُولُ بِدِينِكُمْ. يُقَالُ خُذِ الْمُثْلَى خُذِ الْأَمْثَلَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِطَرِيقَتِكُمُ﴾ أَيْ بِسُنَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَالْمُثْلَى تَأْنِيثُ الْأَمْثَلِ، تقول خُذِ الْمُثْلَى مِنْهُمَا لِلْأُنْثَيَيْنِ، وَخُذِ الْأَمْثَلَ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ ذَكَرًا، وَالْمُرَادُ بِالْمُثْلَى الْفُضْلَى.
قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ يُقَالُ هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ يَعْنِي الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾