للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَنَحْوُهُ مِمَّا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ بَيْتٍ مِنْ قَوَارِيرَ عَلَى الْخَشَبِ فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ صَرْبَحَةٍ وَسَبْعُمِائَةِ سَرِيَّةٍ.

قَوْلُهُ: (تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) هَذَا قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمَنِّي لِلْخَيْرِ، وَإِنَّمَا جَزَمَ بِهِ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّجَاءُ، لِكَوْنِهِ قَصَدَ بِهِ الْخَيْرَ وَأَمْرَ الْآخِرَةِ لَا لِغَرَضِ الدُّنْيَا. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: نَبَّهَ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى آفَةِ التَّمَنِّي وَالْإِعْرَاضِ عَنِ التَّفْوِيضِ، قَالَ: وَلِذَلِكَ نَسِيَ الِاسْتِثْنَاءَ لِيَمْضِيَ فِيهِ الْقَدْرُ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ طَاوُسٍ الْآتِيَةِ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ، قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي الْمَلَكَ وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ تَفْسِيرَ صَاحِبِهِ بِالْمَلَكِ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ، لَكِنْ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَوِ الْمَلَكُ بِالشَّكِّ، وَمِثْلُهَا لِمُسْلِمٍ، وَفِي الْجُمْلَةِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ فَسَّرَ صَاحِبَهُ بِأَنَّهُ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ، وَهُوَ آصِفُ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ ابْنُ بَرْخِيَا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ: فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَوِ الْمَلَكُ إِنْ كَانَ صَاحِبُهُ فَيَعْنِي بِهِ وَزِيرَهُ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَلَكُ فَهُوَ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ بِالْوَحْيِ، وَقَالَ: وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ خَاطِرُهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قِيلَ: الْمُرَادُ بِصَاحِبِهِ الْمَلَكُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ، وَقِيلَ: الْقَرِينُ، وَقِيلَ: صَاحِبٌ لَهُ آدَمِيٌّ. قُلْتُ: لَيْسَ بَيْنَ قَوْلِهِ صَاحِبُهُ وَالْمَلَكُ مُنَافَاةٌ، إِلَّا أَنَّ لَفْظَةَ صَاحِبُهُ أَعَمُّ، فَمِنْ ثَمَّ نَشَأَ لَهُمْ الِاحْتِمَالُ، وَلَكِنَّ الشَّكَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْجَزْمِ، فَمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ الْمَلَكُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْزِمْ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَقُلْ) قَالَ عِيَاضٌ: بُيِّنَ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى بِقَوْلِهِ: فَنَسِيَ. قُلْتُ: هِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ شَيْخِهِ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَالَ: وَنَسِيَ أَنْ يَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَلَمْ يَقُلْ أَيْ بِلِسَانِهِ لَا أَنَّهُ أَبَى أَنْ يُفَوِّضَ إِلَى اللَّهِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ، لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ أَوَّلًا وَنَسِيَ أَنْ يُجْرِيَهُ عَلَى لِسَانِهِ لَمَّا قِيلَ لَهُ لِشَيْءٍ عَرَضَ لَهُ.

قَوْلُهُ: (فَطَافَ بِهِنَّ) (١) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَأَطَافَ بِهِنَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا وَاحِدًا سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَلَدَتْ شِقَّ غُلَامٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْهُ نِصْفَ إِنْسَانٍ وَهِيَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ، حَكَى النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ الشِّقَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْجَسَدُ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أنَّ الْمُرَادَ بِالْجَسَدِ الْمَذْكُورِ شَيْطَانٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالنَّقَّاشُ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ.

قَوْلُهُ: (لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ لَوِ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ طَاوُسٍ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ كَذَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ وَقَوْلُهُ: دَرَكًا بِفَتْحَتَيْنِ مِنَ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا تَخَافُ دَرَكًا﴾ أَيْ لَحَاقًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ مَا طَلَبَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِخْبَارِهِ ﷺ بِذَلِكَ فِي حَقِّ سُلَيْمَانَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنِ اسْتَثْنَى فِي أُمْنِيَّتِهِ، بَلْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ رُجُوُّ الْوُقُوعِ وَفِي تَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ خَشْيَةُ عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا﴾ مَعَ قَوْلِ الْخَضِرِ لَهُ آخِرًا ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ فِعْلِ الْخَيْرِ وَتَعَاطِي أَسْبَابِهِ، وَأَنْ كَثِيرًا


(١) قال مصحح طبعة بولاق: هذه اللفظة لم توجد بالصحيح الذي بأيدينا، ولعلها رواية للشارح.