للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَكْسُورَةِ - بَكْرٌ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَمْرٌو، وَقِيلَ قَيْسٌ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَلَا عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي الْقِصَّةِ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ.

قَوْلُهُ: (فَأَتَى رَاهِبًا) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ رَفْعِ عِيسَى ، لِأَنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ إِنَّمَا ابْتَدَعَهَا أَتْبَاعُهُ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: لَهُ تَوْبَةٌ؟) بِحَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَفِيهِ تَجْرِيدٌ أَوِ الْتِفَاتٌ، لِأَنَّ حَقَّ السِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ: لِيَ تَوْبَةٌ؟ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ، وَزَادَ: ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، وَقَالَ فِيهِ: وَمِنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ: فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا كَانَ نِصْفُ الطَّرِيقِ أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَوَقَعَتْ لِي تَسْمِيَةُ الْقَرْيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ قَالَ فِيهِ: إِنَّ اسْمَ الصَّالِحَةِ نَصْرَةُ، وَاسْمَ الْقَرْيَةِ الْأُخْرَى كَفْرَةُ.

قَوْلُهُ: (فَنَاءَ) بِنُونٍ وَمَدٍّ أَيْ بَعُدَ، أَوِ الْمَعْنَى مَالَ أَوْ نَهَضَ مَعَ تَثَاقُلٍ، فَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى: فَمَالَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي طَلَبَهَا، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِيهِ فَنَأَى بِغَيْرِ مَدٍّ قَبْلَ الْهَمْزِ، وَبِإِشْبَاعِهَا بِوَزْنِ سَعَى، تَقُولُ: نَأَى يَنْأَى نَأْيًا، أي بَعُدَ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى فَبَعُدَ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ إِدْرَاجٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ قَتَادَةَ: قَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَاءَ بِصَدْرِهِ.

قَوْلُهُ: (فَاخْتَصَمت فِيهِ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ مِنَ الزِّيَادَةِ: فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ نائبا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهَا.

قَوْلُهُ: (فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي) أَيْ إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا (وَإِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي) أَيِ الْقَرْيَةَ الَّتِي قَصَدَهَا. وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ: فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ.

قَوْلُهُ: (أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ) فِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ: فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ: فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْكَبَائِرِ حَتَّى مِنْ قَتْلِ الْأَنْفُسِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا قَبِلَ تَوِبَةَ الْقَاتِلِ تَكَفَّلَ بِرِضَا خَصْمِهِ. وَفِيهِ: إنَّ الْمُفْتِيَ قَدْ يُجِيبُ بِالْخَطَأ، وَغَفَلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَ الْأَخِيرَ عَلَى سَبِيلِ التَّأَوُّلِ لِكَوْنِهِ أَفْتَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْحُكْمِ حَتَّى اسْتَمَرَّ يَسْتَفْتِي، وَأَنَّ الَّذِي أَفْتَاهُ اسْتَبْعَدَ أَنْ تَصِحَّ تَوْبَتَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ لمن ذَكَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ بِنَاءً عَلَى الْعَمَلِ بِفَتْوَاهُ لِأَنَّ ذَلِكَ اقْتَضَى عِنْدَهُ أَنْ لَا نَجَاةَ لَهُ فَيَئِسَ مِنَ الرَّحْمَةِ، ثُمَّ تَدَارَكَهُ اللَّهُ فَنَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فَرَجَعَ يَسْأَلُ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قِلَّةِ فِطْنَةِ الرَّاهِبِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ التَّحَرُّزُ مِمَّنِ اجْتَرَأَ عَلَى الْقَتْلِ حَتَّى صَارَ لَهُ عَادَةٌ بِأَنْ لَا يُوَاجِهَهُ بِخِلَافِ مُرَادِهِ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُ الْمَعَارِيضَ مُدَارَاةً عَنْ نَفْسِهِ، هَذَا لَوْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ فَضْلًا عَنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا مَظْنُونًا.

وَفِيهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِبَنِي آدَمَ يَخْتَلِفُ اجْتِهَادُهُمْ فِي حَقِّهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَكْتُبُونَهُ مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا، وَأَنَّهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ، وَفِيهِ فَضْلُ التَّحَوُّلِ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي يُصِيبُ الْإِنْسَانُ فِيهَا الْمَعْصِيَةَ لِمَا يَغْلِبُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ إِمَّا لِتَذَكُّرِهِ لِأَفْعَالِهِ الصَّادِرَةِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالْفِتْنَةِ بِهَا وَإِمَّا لِوُجُودِ مَنْ كَانَ يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ الْأَخِيرُ: وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التائب يَنْبَغِي لَهُ مُفَارَقَةُ الْأَحْوَالِ الَّتِي اعْتَادَهَا فِي زَمَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَالتَّحَوُّلُ مِنْهَا كُلِّهَا