عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبِلَالٌ أَحْضَرَ الْإِدَاوَةَ، فَإِنَّ الشَّنَّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ هُوَ الْإِدَاوَةُ الْيَابِسَةُ.
قَوْلُهُ: (حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ) أَيْ هَلُمُّوا إِلَى الطَّهُورِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَالْمُرَادُ الْفِعْلُ أَيْ تَطَهَّرُوا.
قَوْلُهُ: (وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ) الْبَرَكَةُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِيجَادَ مِنَ اللَّهِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَجَعَلْتُ أُبَادِرُهُمْ إِلَى الْمَاءِ أُدْخِلُهُ فِي جَوْفِي لِقَوْلِهِ: الْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَبَسَطَ كَفَّهُ فِيهِ فَنَبَعَتْ تَحْتَ يَدِهِ عَيْنٌ، فَجَعَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَشْرَبُ وَيُكْثِرُ وَالْحِكْمَةُ فِي طَلَبِهِ ﷺ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ فَضْلَةَ الْمَاءِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُ الْمُوجِدُ لِلْمَاءِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَادَةَ فِي الدُّنْيَا غَالِبًا بِالتَّوَالُدِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ يَقَعُ بَيْنَهَا التَّوَالُدُ وَبَعْضَهَا لَا يَقَعُ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ فَوَرَانِ بَعْضِ الْمَائِعَاتِ إِذَا خُمِّرَتْ وَتُرِكَتْ زَمَانًا، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِي الْمَاءِ الصِّرْفِ بِذَلِكَ، فَكَانَتِ الْمُعْجِزَةُ بِذَلِكَ ظَاهِرَةٌ جِدًّا.
قَوْلُهُ: (وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ) أَيْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَالِبًا، وَوَقَعَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ صَرِيحًا أَخْرَجَهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الطَّعَامَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَلَهُ شَاهِدٌ أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَسليمَانُ إِذَا كَتَبَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ قَالَ لَهُ: بِآيَةِ الصَّحْفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا بَيْنَا هُمَا يَأْكُلَانِ فِي صَحْفَةٍ إِذْ سَبَّحَتْ وَمَا فِيهَا وَذَكَرَ عِيَاضٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِطَبَقٍ فِيهِ عِنَبٌ وَرُطَبٌ فَأَكَلَ مِنْهُ فَسَبَّحَ.
قُلْتُ: وَقَدِ اشْتَهَرَ تَسْبِيحُ الْحَصَى، فَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فَسَمِعَ تَسْبِيحَهُنَّ مَنْ فِي الْحَلْقَةِ وَفِيهِ ثُمَّ دَفَعَهُنَّ إِلَيْنَا فَلَمْ يُسَبِّحْنَ مَعَ أَحَدٍ مِنَّا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ كَذَا رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ - وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ - عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ يَزِيدَ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَانَ كَبِيرَ السِّنِّ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ذَكَرَ لَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِهَذَا.
(فَائِدَةٌ):
ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَتَسْبِيحَ الْحَصَى وَحَنِينَ الْجِذْعِ وَتَسْلِيمَ الْغَزَالَةِ مِمَّا نُقِلَ آحَادًا مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُكَذَّبْ رُوَاتُهَا. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ اسْتُغْنِيَ عَنْ نَقْلِهَا تَوَاتُرًا بِالْقُرْآنِ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِمَنْعِ نَقْلِهَا آحَادًا، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَمَجْمُوعُهَا يُفِيدُ الْقَطْعَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ (١) وَالَّذِي أَقُولُ إِنَّهَا كُلُّهَا مُشْتَهِرَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ فَلَيْسَتْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَإِنَّ حَنِينَ الْجِذْعِ وَانْشِقَاقَ الْقَمَرِ نُقِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَقْلًا مُسْتَفِيضًا يُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ مَنْ يَطَّلِعُ عَلَى طُرُقِ ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا مُمَارَسَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا تَسْبِيحُ الْحَصَى فَلَيْسَتْ لَهُ إِلَّا هَذِهِ الطَّرِيقُ الْوَاحِدَةُ مَعَ ضَعْفِهَا، وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْغَزَالَةِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ إِسْنَادًا لَا مِنْ وَجْهٍ قَوِيٍّ وَلَا مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ وَفَاءِ دَيْنِ أَبِيهِ، أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مُطَوَّلًا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا) هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ،
(١) العجيب أن يقول هذا شيعي، وهم في أوثق كتبهم ينقلون عن رواة معروفين بالكذب آيات عن غير المعصومين بعد رسول الله ﷺ يكذب بعضها بعضا حتى لو لم يكن رواتها كذابين - محب الدين.