مِنَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مَا قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَعَنْهُ ثُمَّ دَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّمَا أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ أَيْ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَيْهِ فِي الْمُطَالَبَةِ لِعَدَاوَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ طَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُهُمْ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَأَنَا رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَهَا اللَّهُ وَلَا أَرْجِعُ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَأَنْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ تَمْرَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ فِيهِ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْكَيْلَ جَمِيعَهُ كَانَ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَّ التَّمْرَ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ الْبَتَّةَ، وَالَّذِي مَضَى ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ رُجُوعِهِ وَأَنَّ بَعْضَ التَّمْرِ نَقَصَ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْكَيْلِ كَانَ بِحَضْرَتِهِ ﷺ وَبَقِيَّتُهُ كَانَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ، وَكَانَ بَعْضُ الْبَيَادِرِ الَّتِي أَوْفَى مِنْهَا بَعْضَ أَصْحَابِ الدَّيْنِ حَيْثُ كَانَ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ الْبَتَّةَ، وَلَمَّا انْصَرَفَ بَقِيَتْ آثَارُ بَرَكَتِهِ فَلِذَلِكَ أَوْفَى مِنْ أَحَدِ الْبَيَادِرِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَ سَبْعَةَ عَشَرَ.
وَفِي رِوَايَةِ نُبَيْحٍ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، فَفِي رِوَايَتِهِ قَالَ: كِلْ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُوَفِّيَهُ وَفِي حَدِيثِهِ فَإِذَا الشَّمْسُ قَدْ دَلَكَتْ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَانْدَفَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ لَهُ - أَيْ لِلْغَرِيمِ - قَرِّبْ أَوْعِيَتَكَ وَفِيهِ فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَأَنِّي شَرَارَةٌ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ صَلَّى، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أَيْنَ عُمَرُ؟ فَجَاءَ يُهَرْوِلُ. فَقَالَ: سَلْ جَابِرًا عَنْ تَمْرِهِ وَغَرِيمِهِ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِسَائِلِهِ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ سَيُوَفِّيهِ الْحَدِيثَ.
وَقِصَّةُ عُمَرَ قَدْ وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ كَعْبٍ فَفِيهَا: ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِعُمَرَ: اسْمَعْ يَا عُمَرُ، قَالَ: أَلَّا نَكُونَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ. وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُبَارِكَنَّ اللَّهُ فِيهَا وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ كَعْبٍ: أَلَّا نَكُونَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَأَصْلُهَا أَنِ الْخَفِيفَةُ ضُمَّتْ إِلَيْهَا لَا النَّافِيَةُ، أَيْ هَذَا السُّؤَالُ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ يَشُكُّ فِي الْخَبَرِ فَيَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ.
وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَأَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ، فَأَنْكَرَ عُمَرُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِالرِّسَالَةِ فَأَنْتَجَ إِنْكَارُهُ ثُبُوتَ عِلْمِهِ بِهَا، وَهُوَ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ، إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالتَّشْدِيدِ، وَكَذَلِكَ ضَبَطَهَا عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: النُّكْتَةُ فِي اخْتِصَاصِ عُمَرَ بِإعْلَامِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَنِيًا بِقِصَّةِ جَابِرٍ مُهْتَمًّا بِشَأْنِهِ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِ أَبِيهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا مَشَى فِي النَّخْلِ، وَتَحَقَّقَ أَنَّ التَّمْرَ الَّذِي فِيهِ لَا يَفِي بِبَعْضِ الدَّيْنِ، فَأَرَادَ إِعْلَامَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ شَاهَدَ أَوَّلَ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُشَاهِدْ. ثُمَّ وَجَدْتُ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، فَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعُمَرُ فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا حَتَّى نَطُوفَ بِنَخْلِكَ هَذَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: فَأَتَاهُ هُوَ وَعُمَرُ فَقَالَ: يَا فُلَانُ خُذْ مِنْ جَابِرٍ وَأَخِّرْ عَنْهُ فَأَبَى، فَكَادَ عُمَرُ يَبْطِشُ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَهْ يَا عُمَرُ، هُوَ حَقُّهُ. ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى نَخْلِكَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ائْتِنِي بِعُمَرَ، فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: يَا عُمَرُ سَلْ جَابِرًا عَنْ نَخْلِهِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدِّيَالِ بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ جَمِيعًا كَانَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَخْبِرْ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَأَخْبَرْتُهُمَا الْحَدِيثَ، وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ.
وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْيَهُودِيَّ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مِنْ تَمْرٍ، وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ دُيُونٌ أُخْرَى، فَلَمَّا حَضَرَ الْغُرَمَاءُ وَطَالَبُوا بِحُقُوقِهِمْ، وَكَالَ لَهُمْ جَابِرٌ التَّمْرَ فَفَضَلَ تَمْرُ الْحَائِطِ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ شَيْءٌ، فَجَاءَ الْيَهُودِيُّ بَعْدَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute