للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَطَالَبَ بِدَيْنِهِ فَجَدَّ لَهُ جَابِرٌ مَا بَقِيَ عَلَى النَّخَلَاتِ فَأَوْفَاه حَقَّهُ مِنْهُ وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَسْقًا، وَفَضَلَتْ مِنْهُ سَبْعَةَ عَشَرَ، انْتَهَى.

وَهَذَا الْجَمْعُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَفْضُلْ مِنَ الَّذِي فِي الْبَيَادِرِ شَيْءٌ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهَا فَضَلَتْ كُلُّهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي جَمَعْتُ بِهِ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ الِاسْتِنْظَارِ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ، وَجَوَازُ تَأْخِيرِ الْغَرِيمِ لِمَصْلَحَةِ الْمَالِ الَّذِي يُوَفَّى مِنْهُ، وَفِيهِ مَشْيُ الْإِمَامِ فِي حَوَائِجِ رَعِيَّتِهِ، وَشَفَاعَتِهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَفِيهِ عَلَمٌ ظَاهِرٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِتَكْثِيرِ الْقَلِيلِ إِلَى أَنْ حَصَلَ بِهِ وَفَاءُ الْكَثِيرِ وَفَضَلَ مِنْهُ.

فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مِرَارٍ فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَعْنِي يَمِينَهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الْأَجَلُ فَفُرِّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ قَالَ: أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ أَوْ كَمَا قَالَ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: فَعَرَفْنَا مِنْ الْعِرَافَةِ.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي قِصَّةِ أَضْيَافِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ تَكْثِيرُ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ أَحَدُ صِغَارِ التَّابِعِينَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ مُعْتَمِرٍ حَدَّثَنَا أَبِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ. وَأَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ.

قَوْلُهُ: (إنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ) سَيَأْتِي ذِكْرُهُمْ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ، وَأَنَّ الصُّفَّةَ مَكَانٌ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مُظَلَّلٌ أُعِدَّ لِنُزُولِ الْغُرَبَاءِ فِيهِ مِمَّنْ لَا مَأْوَى لَهُ وَلَا أَهْلَ، وَكَانُوا يَكْثُرُونَ فِيهِ وَيَقِلُّونَ بِحَسَبِ مَنْ يَتَزَوَّجُ مِنْهُمْ أَوْ يَمُوتُ أَوْ يُسَافِرُ، وَقَدْ سَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فَزَادُوا عَلَى الْمِائَةِ.

قَوْلُهُ: (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةُ الْمَذْكُورِينَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةٍ قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ لِمُوَافَقَتِهَا لِسِيَاقِ بَاقِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَسَدَ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ إِذَا ذَهَبَ مَعَهُ بِثَلَاثَةٍ لَزِمَ أَنْ يَأْكُلَهُ فِي خَمْسَةٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَكْفِيهِمْ وَلَا يَسُدُّ رَمَقَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إِذَا ذَهَبَ بِوَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَأْكُلُهُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: طَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي أَرْبَعَةً أَيِ الْقَدْرَ الَّذِي يُشْبِعُ الِاثْنَيْنِ يَسُدُّ رَمَقَ أَرْبَعَةٍ، وَوَجَّهَهَا النَّوَوِيُّ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ: فَلْيَذْهَبْ بِمَنْ يُتِمُّ مَنْ عِنْدَهُ ثَلَاثَةٌ، أَوْ فَلْيَذْهَبْ بِتَمَامِ ثَلَاثَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، بِسَادِسٍ، أَوْ كَمَا قَالَ) أَيْ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلْيَذْهَبْ بِسَادِسٍ مَعَ الْخَامِسِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ يَزِيدُ كُلَّ أَحَدٍ وَاحِدًا فَقَطْ أَنَّ عَيْشَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ مُتَّسِعًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَثَلًا ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ لَا يَضِيقُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ الرَّابِعَ مِنْ قُوتِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْأَرْبَعَةُ وَمَا فَوْقَهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ زِيدَتِ الْأَضْيَافُ بِعَدَدِ الْعِيَالِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْحَالِ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي النُّعْمَانِ وَإِنْ أَرْبَعٍ فَخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ وَأَوْ فِيهِ لِلتَّنْوِيعِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَوْ سَادِسٍ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ خَمْسٍ فَلْيَذْهَبْ بِسَادِسٍ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ أَرْبَعٍ فَخَامِسٍ) بِالْجَرِّ فِيهِمَا، وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ بِسَادِسٍ، فَحَذَفَ عَامِلَ الْجَرِّ وَأَبْقَى عَمَلَهُ، كَمَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ صَالِحٍ وَإِنْ لَا صَالِحٍ فَطَالِحٍ، أَيْ إِنْ لَا أَمُرَّ بِصَالِحٍ فَقَدْ مَرَرْتُ بِطَالِحٍ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ وَهُوَ أَوْجَهُ.

قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ حَذْفَ فِعْلَيْنِ وَعَامِلَيْ جَرٍّ مَعَ بَقَاءِ عَمَلِهِمَا بَعْدَ إِنْ وَبَعْدَ الْفَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ قَامَ بِأَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ اهـ. وَهَذَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: بِخَامِسٍ بِسَادِسٍ فَيَكُونُ حُذِفَ مِنْهَا شَيْءٌ آخَرُ، وَالتَّقْدِيرُ أَوْ إِنْ قَامَ بِخَمْسَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِسَادِسٍ

قَوْلُهُ: (وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَشَرَةٍ) عَبَّرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ الْمَجِيءِ لِبُعْدِ مَنْزِلِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِالِانْطِلَاقِ لِقُرْبِهِ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَبُو بَكْرٍ ثَلَاثَةً بِالنَّصْبِ لِلْأَكْبَرِ أَيْ أَخَذَ ثَلَاثَةً فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ تَكْرَارًا لِأَنَّ هَذَا