بَيَانٌ لِابْتِدَاءِ مَا جَاءَ فِي نَصِيبِهِ، وَالْأَوَّلُ لِبَيَانِ مَنْ أَحْضَرَهُمْ إِلَى مَنْزِلِهِ. وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ ثَلَاثَةٌ بِالرَّفْعِ وَقَدَّرَهُ وَأَبُو بَكْرٍ أَهْلُهُ ثَلَاثَةٌ أَيْ عَدَدُ أَضْيَافِهِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَخَذَ خَامِسًا وَسَادِسًا وَسَابِعًا فَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي أَخْذِهِ وَاحِدًا زَائِدًا عَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَ السَّابِعَ بِنَصِيبِهِ إِذْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ أَوَّلًا مَعَهُمْ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلَاثَةٍ، فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ أَيْ وَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ بِثَلَاثَةٍ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي) الْقَائِلُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وقَوْلُهُ: فَهُوَ أَيِ الشَّأْنُ، وَقَوْلُهُ: أَنَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَتَقْدِيرُهُ فِي الدَّارِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ امْرَأَتِي وَخَادِمِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَخَادِمٌ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ، وَالْقَائِلُ هَلْ قَالَ هُوَ أَبُو عُثْمَانَ الرَّاوِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَأَنَّهُ شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: (بَيْنَ بَيْتِنَا) أَيْ خِدْمَتِهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ ظَرْفٌ لِلْخَادِمِ، وَأُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ أُمُّ رُومَانَ مَشْهُورَةٌ بِكُنْيَتِهَا، وَاسْمُهَا زَيْنَبُ وَقِيلَ: وَعْلَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، قِيلَ: عُمَيْرَةُ، مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحَارِثِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، كَانَتْ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ سَخْبَرَةَ الْأَزْدِيِّ فَقَدِمَ مَكَّةَ فَمَاتَ وَخَلَّفَ مِنْهَا ابْنَهُ الطُّفَيْلَ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو بَكْرٍ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَعَائِشَةَ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ رُومَانَ قَدِيمًا وَهَاجَرَتْ وَمَعَهَا عَائِشَةُ، أَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَتَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ وَهِجْرَتُهُ إِلَى هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَدِمَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ أَوْ أَوَّلَ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ - وَالِدَةُ أَكْبَرِ أَوْلَادِهِ أَبِي عَتِيقٍ مُحَمَّدٍ - أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَدِيِّ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيَّةُ، وَالْخَادِمُ لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ) وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ حَيْثُ صَلَّيْتُ، ثُمَّ رَجَعَ فَشَرَحَهُ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ: هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ تَعَشِّيَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَالَّذِي تَقَدَّمَ بِعَكْسِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَوَّلَ بَيَانُ حَالِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى الطَّعَامِ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَالثَّانِي فِيهِ سِيَاقُ الْقِصَّةِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوَاقِعِ: الْأَوَّلُ تَعَشِّي الصِّدِّيقِ وَالثَّانِي تَعَشِّي النَّبِيِّ ﷺ.
وَالْأَوَّلُ مِنَ الْعَشَاءِ بِفَتْحِهَا أَيِ الْأَكْلِ، وَالثَّانِي بِكَسْرِهَا أَيِ الصَّلَاةِ، فَأَحَدُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا جَاءَ بِالثَّلَاثَةِ إِلَى مَنْزِلِهِ لَبِثَ إِلَى وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى تَعَشَّى عِنْدَهُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ صَرِيحَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ إِنَّ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ ثُمَّ رَجَعَ بِالْجِيمِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ مِنَ الرُّوَاةِ لِمَا سَأَذْكُرُهُ، وَظَاهِرُهُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: ثُمَّ رَجَعَ أَيْ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَعَلَى هَذَا فَفِي قَوْلِهِ: فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَكْرَارٌ وَفَائِدَتُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ تَأَخُّرَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ بِمِقْدَارِ أَنْ تَعَشَّى مَعَهُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ، وَمَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ قِطْعَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ.
وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ثُمَّ رَكَعَ بِالْكَافِ أَيْ صَلَّى النَّافِلَةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، فَعَلَى هَذَا فَالتَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ: فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى فَقَطْ، وَفَائِدَتُهُ مَا تَقَدَّمَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ بِعَيْنٍ وَسِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ مِنَ النُّعَاسِ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنَّهُ الصَّوَابُ، وَبِهِ يَنْتَفِي التَّكْرَارُ مِنَ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا إِلَّا فِي قَوْلِهِ: لَبِثَ وَسَبَبُهُ اخْتِلَافُ تَعَلُّقِ اللُّبْثِ فَالْأَوَّلُ قَالَ: لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ قَالَ: فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَأَخَّرَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَأَخَّرَ حَتَّى نَعَسَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَامَ لِيَنَامَ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ حِينَئِذٍ إِلَى بَيْتِهِ.
وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ الْأَذَانِ بَابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالْأَهْلِ وَأَخَذَهُ مِنْ كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute