وَضِيفَانِهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَدَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَوْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: نَزَلَ بِنَا أَضْيَافٌ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَتَحَدَّثُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: لَا أَرْجِعُ إِلَيْكَ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ ضِيَافَةِ هَؤُلَاءِ وَنَحْوُهُ يَأْتِي فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ بِلَفْظِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطًا، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيَافُكَ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ قَبْلَ أَنْ أَجِيءَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحْضَرَهُمْ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، وَرَجَعَ هُوَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ مِنْ أَضْيَافِكَ؟) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَنْ أَضْيَافِكَ وَكَذَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ ضَيْفِكَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ لِأَنَّهُمْ ثَلَاثَةٌ، وَاسْمُ الضَّيْفِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَمَا فَوْقَهُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ يَتَنَاوَلُ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعَ، كَذَا قَالَ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ.
قَوْلُهُ: (أَوَعَشَّيْتَهُمْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَوَمَا عَشَّيْتَهُمْ بِزِيَادَةِ مَا النَّافِيَةِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَالْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَفِي بَعْضِهَا عَشَّيْتِيهِمْ بِإِشْبَاعِ الْكَسْرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيِ الْخَدَمُ أَوِ الْأَهْلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، (فَغَلَبُوهُمْ) أَيْ إنَّ آلَ أَبِي بَكْرٍ عَرَضُوا عَلَى الْأَضْيَافِ الْعَشَاءَ فَأَبَوْا فَعَالَجُوهُمْ فَامْتَنَعُوا حَتَّى غَلَبُوهُمْ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ قَدْ عُرِّضُوا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ أُطْعِمُوا مِنَ الْعِرَاضَةِ وَهِيَ الْهَدِيَّةُ، قَالَهُ عِيَاضٌ، قَالَ: وَهُوَ فِي الرِّوَايَةِ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ، وَحَكَى ابْنُ قُرْقُولٍ أَنَّ الْقِيَاسَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ مُوَجِّهًا لِلتَّخْفِيفِ: أَيْ عُرِضَ الطَّعَامُ عَلَيْهِمْ، فَحَذَفَ الْجَارَّ وَوَصَلَ الْفِعْلَ فَهُوَ مِنَ الْقَلْبِ كَعَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ. وَوَقَعَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ عَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فَامْتَنَعُوا وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَرَصُوا بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ، قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ لَهَا وَجْهًا، وَوَجَّهَهَا غَيْرُهُ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِهِمْ عَرَصَ إِذَا نَشِطَ، فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ نَشِطُوا فِي الْعَزِيمَةِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ.
وَفِي رِوَايَةِ الْجَرِيرِيِّ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ فَقَالَ: اطْعَمُوا، قَالُوا: أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اطْعَمُوا. قَالُوا: مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِيءَ. قَالَ: اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ - أَيْ شَرًّا - فَأَبَوْا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَلَا تَقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ؟ ضَبَطَهُ عِيَاضٌ عَنِ الْأَكْثَرِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى اسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ تَثْبُتَ النُّونُ فِي تَقْبَلُونَ إِذْ لَا مُوجِبَ لِحَذْفِهَا، وَضَبَطَهَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَهُوَ الْوَجْهُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ) أَيْ خَوْفًا مِنْ خِصَامِ أَبِي بَكْرٍ لَهُ وَتَغَيُّظِهِ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ الْجَرِيرِيِّ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَيَّ أَيْ يَغْضَبُ فَلَمَّا جَاءَ تَغَيَّبْتُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَسَكَتَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ) فِي رِوَايَةِ الْجَرِيرِيِّ فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي لَمَا جِئْتَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَالِي ذَنْبٌ، هَؤُلَاءِ أَضْيَافُكَ فَسَلْهُمْ. قَالُوا: صَدَقَكَ قَدْ أَتَانَا. وَقَوْلُهُ: فَجَدَّعَ وَسَبَّ أَيْ دَعَا عَلَيْهِ بِالْجَدَعِ وَهُوَ قَطْعُ الْأُذُنِ أَوِ الْأَنْفِ أَوِ الشَّفَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ السَّبُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَفِي رِوَايَةِ الْجَرِيرِيِّ فَجَزَّعَ بِالزَّايِ بَدَلَ الدَّالِ أَيْ نَسَبَهُ إِلَى الْجَزَعِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْخَوْفُ، وَقِيلَ: الْمُجَازَعَةُ الْمُخَاصَمَةُ فَالْمَعْنَى خَاصَمَ، وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَنَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَرَّطَ فِي حَقِّ الْأَضْيَافِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ أَدَّبَهُمْ بِقَوْلِهِ: كُلُوا لَا هَنِيئًا، وَسَبَّ أَيْ شَتَمَ. وَحَذَفَ الْمَفْعُولَ لِلْعِلْمِ بِهِ.
قَوْلُهُ: غُنْثَرُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَحُكِيَ ضَمُّ الْمُثَلَّثَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ