بَعْضِ شُيُوخِهِ فَتْحَ أَوَّلِهِ مَعَ فَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ بِلَفْظِ عَنْتَرُ بِلَفْظِ اسْمِ الشَّاعِرِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ بالْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَنَّاةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا النُّونُ السَّاكِنَةِ، وَرَوَى عَنْ أَبِي عُمَرَ، عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ مَعْنَاهُ الذُّبَابُ، وَإنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِصَوْتِهِ فَشَبَّهَهُ بِهِ حَيْثُ أَرَادَ تَحْقِيرَهُ وَتَصْغِيرَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الثَّقِيلُ الْوَخِمُ وَقِيلَ: الْجَاهِلُ وَقِيلَ: السَّفِيهُ وَقِيلَ: اللَّئِيمُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغُثْرِ وَنُونُهُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ ذُبَابٌ أَزْرَقُ شَبَّهَهُ بِهِ لِتَحْقِيرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ كُلُوا) زَادَ فِي الصَّلَاةِ لَا هَنِيئًا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَيْ: لَا أَكَلْتُمْ هَنِيئًا، هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: خَبَرٌ أَيْ لَمْ تَتَهَيَّئُوا فِي أَوَّلِ نُضْجِهِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ الْإِنْصَافُ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَرَجِ وَالتَّغَيُّظِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَحَكَّمُوا عَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ بِالْحُضُورِ مَعَهُمْ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِوَلَدِهِ مَعَ إِذْنِهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ رَغْبَتُهُمْ فِي التَّبَرُّكِ بِمُؤَاكَلَتِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ إِنَّمَا خَاطَبَ بِذَلِكَ أَهْلَهُ لَا الْأَضْيَافَ، وَقِيلَ: لَمْ يُرِدِ الدُّعَاءَ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ فَاتَهُمُ الْهَنَاءُ بِهِ إِذَا لَمْ يَأْكُلُوهُ فِي وَقْتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَذَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا وَفِي رِوَايَةِ الْجَرِيرِيِّ فَقَالَ: فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِي، وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا، فَقَالَ الْآخَرُ: وَاللَّهِ لَا نَطْعَمُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَمَا مَنَعَكُمْ؟ قَالُوا: مَكَانُكَ. قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا. ثُمَّ اتَّفَقَا فَقَالَ: لَمْ أَرَ فِي الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ، وَيْلَكُمْ مَا أَنْتُمْ؟ لَمْ تَقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ. هَاتِ طَعَامَكَ، فَوَضَعَ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا قَالَ ابْنُ التِّينِ: لَمْ يُخَاطِبْ أَبُو بَكْرٍ أَضْيَافَهُ بِذَلِكَ إِنَّمَا خَاطَبَ أَهْلَهُ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَرُدُّ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَلَّا تَقْبَلُونَ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لِلْأَكْثَرِ، وَلِبَعْضِهِمْ بِتَخْفِيفِهَا.
قَوْلُهُ: (وَايْمُ اللَّهِ) هَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ: يَجُوزُ الْقَطْعُ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ ايْمُ اللَّهِ قَسَمِي، وَأَصْلُهُ أَيْمَنُ اللَّهِ فَالْهَمْزَةُ حِينَئِذٍ هَمْزَةُ قَطْعٍ لَكِنَّهَا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ خُفِّفَتْ فَوُصِلَتْ، وَحُكِيَ فِيهَا لُغَاتٌ: أَيْمُنُ اللَّهِ مُثَلَّثَةُ النُّونِ، وَمُنُ اللَّهِ مُخْتَصَرَةٌ مِنَ الْأُولَى مُثَلَّثَةُ النُّونِ أَيْضًا، وَايْمُ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَمُ اللَّهِ كَذَلِكَ، وبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْضًا، وَأَمُ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَلَيْسَ الْمِيمُ بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ وَلَا أَصْلُهَا مِنْ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ. وَلَا أَيْمُنُ، جَمْعُ يَمِينٍ خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ هَذَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.
قَوْلُهُ: (إِلَّا رَبَا) أَيْ زَادَ، وَقَوْلُهُ: (مِنْ أَسْفَلِهَا) أَيِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا شَيْءٌ أَوْ أَكْثَرُ) وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا هِيَ شَيْءٌ أَيْ قَدْرَ الَّذِي كَانَ، كَذَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَوَقَعَ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا هِيَ - أَيِ الْجَفْنَةُ - كَمَا هِيَ أَيْ كَمَا كَانَتْ أَوَّلًا أَوْ أَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ: (يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ) زَادَ فِي الصَّلَاةِ مَا هَذَا وَخَاطَبَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ امْرَأَتَهُ أُمَّ رُومَانَ، وَبَنُو فِرَاسٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ ابْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: التَّقْدِيرُ يَا مَنْ هِيَ مِنْ بَنِي فِرَاسٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ عَلَى مَنْ كَانَ مُنْتَسِبًا إِلَى قَبِيلَةٍ أَنَّهُ أَخُوهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ ضِمَامٌ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أُمَّ رُومَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحَارِثِ بْنِ غَنْمٍ وَهُوَ أَخُو فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ فَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ نَسَبَهَا إِلَى بَنِي فِرَاسٍ لِكَوْنِهِمْ أَشْهَرَ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، وَيَقَعُ فِي النَّسَبِ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَيُنْسَبُونَ أَحْيَانًا إِلَى أَخِي جَدِّهِمْ، أَوِ الْمَعْنَى يَا أُخْتَ الْقَوْمِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى بَنِي فِرَاسٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَارِثَ أَخُو فِرَاسٍ فَأَوْلَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِخْوَةٌ لِلْآخَرِينَ لِكَوْنِهِمْ فِي دَرَجَتِهِمْ، وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّهُ قِيلَ فِي أُمِّ رُومَانَ: إِنَّهَا مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ لَا مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَلَمْ أَرَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَعْدٍ لَهَا نَسَبًا إِلَّا إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ غَنْمٍ سَاقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute