هَذَا وَأَنَّهُ قَرَنَهُمَا فِي الْعَمَلِ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: مِنْ نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) كَذَا قَالَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَخَالَفَهُمِ ابْنُ وَهْبٍ فَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ ابْنَ وَهْبٍ عَلَى هَذَا، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا عَنْ عَائِشَةَ، وَتَابَعَهُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ يَعْنِي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُعَلَّقًا هُنَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ: عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، فَكَأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ وَمِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا. قُلْتُ: وَلَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْهَا، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ خُفَافِ بْنِ أَيْمَاءَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَإِذَا خَطَبَ عُمَرُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ مُكَلَّمٌ.
قَوْلُهُ: (مُحَدَّثُونَ) بِفَتْحِ الدَّالِ جَمْعُ مُحَدَّثٍ، وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ: مُلْهَمٌ، قَالَهُ الْأَكْثَرُ، قَالُوا: الْمُحَدَّثُ بِالْفَتْحِ هُوَ الرَّجُلُ الصَّادِقُ الظَّنِّ، وَهُوَ مَنْ أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَيَكُونُ كَالَّذِي حَدَّثَهُ غَيْرُهُ بِهِ، وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ.
وَقِيلَ: مَنْ يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَقِيلَ: مُكَلَّمٌ أَيْ تُكَلِّمُهُ الْمَلَائِكَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ، وَهَذَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُحَدَّثُ؟ قَالَ: تَتَكَلَّمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى لِسَانِهِ رُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ الْجَوْهَرِيِّ وَحَكَاهُ الْقَابِسِيُّ وَآخَرُونَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ. وَيَحْتَمِلُ رَدُّهُ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ تُكَلِّمُهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَ مُكَلِّمًا فِي الْحَقِيقَةِ فَيَرْجِعُ إِلَى الْإِلْهَامِ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ التِّينِ بِالتَّفَرُّسِ، وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُحَدَّثُ: الْمُلْهَمُ بِالصَّوَابِ الَّذِي يُلْقَى عَلَى فِيهِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ مُلْهَمُونَ، وَهِيَ الْإِصَابَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ مُحَدَّثُونَ يَعْنِي مُفَهَّمُونَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ رَاوِيهِ - قَوْلُهُ: مُحَدَّثٌ أَيْ يُلْقَى فِي رُوعِهِ انْتَهَى، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، وَأَخْرَجَهُ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ يَقُولُ بِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَقَلْبِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (زَادَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدٍ) هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ، وَفِي رِوَايَتِهِ زِيَادَتَانِ: إِحْدَاهُمَا بَيَانُ كَوْنِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالثَّانِيَةُ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِالْمُحَدَّثِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَدَلَهَا يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ.
قَوْلُهُ: (مِنْهُمْ أَحَدٌ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ أَحَدٍ وَرِوَايَةُ زَكَرِيَّا وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي قِيلَ: لَمْ يُورِدْ هَذَا الْقَوْلَ مَوْرِدَ التَّرْدِيدِ فَإِنَّ أُمَّتَهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي غَيْرِهِمْ فَإِمْكَانُ وُجُودِهِ فِيهِمْ أَوْلَى، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ التَّأْكِيدِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: إِنْ يَكُنْ لِي صَدِيقٌ فَإِنَّهُ فُلَانٌ، يُرِيدُ اخْتِصَاصَهُ بِكَمَالِ الصَّدَاقَةِ لَا نَفْيَ الْأَصْدِقَاءِ، وَنَحْوَهُ قَوْلُ الْأَجِيرِ: إِنْ كُنْتُ عَمِلْتُ لَكَ فَوَفِّنِي حَقِّي، وَكِلَاهُمَا عَالِمٌ بِالْعَمَلِ لَكِنْ مُرَادُ الْقَائِلِ أَنَّ تَأْخِيرَكَ حَقِّي عَمَلُ مَنْ عِنْدَهُ شَكٌّ فِي كَوْنِي عَمِلْتُ.
وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ وُجُودَهُمْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ قَدْ تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ، وَسَبَبُ ذَلِكَ احْتِيَاجُهُمْ حَيْثُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِيهِمْ نَبِيٌّ، وَاحْتَمَلَ عِنْدَهُ ﷺ أَنْ لَا تَحْتَاجَ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِلَى ذَلِكَ لِاسْتِغْنَائِهَا بِالْقُرْآنِ عَنْ حُدُوثِ نَبِيٍّ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute