للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْهُ مَالًا، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَاخْتَصَمَا، فَبَلَغَ عُثْمَانَ فَغَضِبَ عَلَيْهِمَا وَعَزَلَ سَعْدًا، وَاسْتَحْضَرَ الْوَلِيدَ وَكَانَ عَامِلًا بِالْجَزِيرَةِ عَلَى عُسْرٍ بِهَا فَوَلَّاهُ الْكُوفَةَ، وَذَكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ.

قَوْلُهُ: (فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ) أَيْ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ، أَيْ مِنَ الْقَوْلِ، وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: وَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِيمَا فَعَلَ بِهِ، أَيْ مِنْ تَرْكِهِ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَإِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ عَزْلَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِهِ مَعَ كَوْنِ سَعْدٍ أَحَدَ الْعَشَرَةِ وَمِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَاجْتَمَعَ لَهُ مِنَ الْفَضْلِ وَالسُّنَنِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالسَّبْقِ إِلَى الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَتَّفِقْ شَيْءٌ مِنْهُ لِلْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَالْعُذْرُ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ عَزَلَ سَعْدًا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الصَّلَاةِ وَأَوْصَى عُمَرُ مَنْ يَلِي الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ أَنْ يُوَلِّيَ سَعْدًا قَالَ لِأَنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ خِيَانَةٍ وَلَا عَجْزٍ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ مَقْتَلِ عُمَرَ قَرِيبًا، فَوَلَّاهُ عُثْمَانُ امْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ عُمَرَ، ثُمَّ عَزَلَهُ لِلسَّبَبِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَوَلَّى الْوَلِيدَ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ كِفَايَتِهِ لِذَلِكَ وَلِيَصِلَ رَحِمَهُ، فَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ سُوءُ سِيرَتِهِ عَزَلَهُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِيَكْشِفَ عَنْ حَالِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَلَمَّا وَضَحَ لَهُ الْأَمْرُ أَمَرَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وَرَوَى الْمَدَائِنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا شَهِدُوا عِنْدَهُ عَلَى الْوَلِيدِ حَبَسَهُ.

قَوْلُهُ: (فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ) أَيْ أَنَّهُ جَعَلَ غَايَةَ الْقَصْدِ خُرُوجَ عُثْمَانَ. وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: حِينَ خَرَجَ وَهِيَ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْقَصْدَ صَادَفَ وَقْتَ خُرُوجِهِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا تُشْعِرُ بِأَنَّهُ قَصَدَ إِلَيْهِ ثُمَّ انْتَظَرَهُ حَتَّى خَرَجَ، يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ: فَانْتَصَبْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ مِنْكَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ مَعْمَرٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ) هَذَا تَعْلِيقٌ أَرَادَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ الْخِلَافِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ قَدْ وَصَلَهَا فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَلَفْظُهُ هُنَاكَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ قَالَ ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَلِّمَهُ بِشَيْءٍ يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مَعْذُورٌ فَيَضِيقُ بِذَلِكَ صَدْرُهُ.

قَوْلُهُ: (فَانْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: فَحَدَّثْتُهُمَا بِالَّذِي قُلْتُ لِعُثْمَانَ وَقَالَ لِي، فَقَالَا: قَدْ قَضَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْكَ.

قَوْلُهُ: (إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمَا إِذْ جَاءَنِي رَسُولُ عُثْمَانَ، فَقَالَا لِي: قَدْ ابْتَلَاكَ اللَّهُ، فَانْطَلَقْتُ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى اسْمِ هَذَا الرَّسُولِ.

قَوْلُهُ: (وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ) هُوَ بِفَتْحِ كُنْتَ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ وَكَذَا هَاجَرْتَ وَصَحِبْتَ، وَأَرَادَ بِالْهِجْرَتَيْنِ الْهِجْرَةَ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَالْهِجْرَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُمَا قَرِيبًا، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ أَيْ هَدْيَ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الطَّرِيقَةُ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَةِ فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ: وَكُنْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ) زَادَ مَعْمَرٌ ابْنِ عُقْبَةَ فَحَقَّ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟ فَقُلْتُ: لَا) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أُخْتِي، وَفِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ: قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ؟ قَالَ: لَا، وَمُرَادُهُ بِالْإِدْرَاكِ إِدْرَاكُ السَّمَاعِ مِنْهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ، وَبِالرُّؤْيَةِ رُؤْيَةُ الْمُمَيِّزِ لَهُ، وَلَمْ يُرِدْ هُنَا الْإِدْرَاكَ بِالسِّنِّ فَإِنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي فِي قِصَّةِ مَقْتَلِ حَمْزَةَ مِنْ حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَبَاهُ عَدِيُّ بْنُ الْخِيَارِ قُتِلَ كَافِرًا وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ مَاكُولَا وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ ابْنَ سَعْدٍ ذَكَرَهُ فِي طَبَقَةِ الْفَتْحِيِّيِّنَ، وَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ الْمَحْكِيَّةَ هُنَا وَقَعَتْ لِعَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ نَفْسِهِ مَعَ عُثْمَانَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا اسْتَثْبَتَ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ لِيُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي ظَنَّهُ مِنْ مُخَالَفَةِ عُثْمَانَ لَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ. قُلْتُ: وَيُفَسِّرُ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ زَاهِرٍ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ خَطَبَ فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ