فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعَلِّمُونِي سُنَّتَهُ عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ.
قَوْلُهُ: (خَلُصَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ وَصَلَ، وَأَرَادَ ابْنُ عَدِيٍّ بِذَلِكَ أَنَّ عِلْمِ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَكُنْ مَكْتُومًا وَلَا خَاصًّا بَلْ كَانَ شَائِعًا ذائعا حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْعَذْرَاءِ الْمُسْتَتِرَةِ، فَوُصُولُهُ إِلَيْهِ مَعَ حِرْصِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ) يَعْنِي قَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَمَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (أَفَلَيْسَ لِي مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَهَمٌ يَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ) كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي سَبَبِ تَأْخِيرِهِ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْوَلِيدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ يَجْلِدَهُ.
قَوْلُهُ: (فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ، وَالْوَهَمُ فِيهِ مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ شُبَيْبُ بْنُ سَعِيدٍ، وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَاسَانِ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ أَتَى بِالْوَلِيدِ وَقَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا حُمْرَانَ يَعْنِي مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا، فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَجَلَدَهُ، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ، حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ: أَمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ ﷺ أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلُّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ انْتَهَى، وَالشَّاهِدُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قِيلَ هُوَ الصَّعْبُ بْنُ جُثَامَةَ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ، وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَيْفٍ فِي الْفُتُوحِ أَنَّ الَّذِي شَهِدَ عَلَيْهِ وَلَدُ الصَّعْبِ وَاسْمُهُ جُثَامَةُ كَاسْمِ جَدِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ مِمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَبَا زَيْنَبَ ابْنَ عَوْفٍ الْأَسَدِيَّ، وَأَبَا مُوَرِّعٍ الْأَسَدِيَّ، وَكَذَلِكَ رَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي الضُّحَى وَقَالَ: لَمَّا بَلَغَ عُثْمَانَ قِصَّةُ الْوَلِيدِ اسْتَشَارَ عَلِيًّا فَقَالَ: أَرَى أَنْ تَسْتَحْضِرَهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ حَدَدْتَهُ، فَفَعَلَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَبُو زَيْنَبَ، وَأَبُو مُوَرِّعٍ،
وَجُنْدَبُ بْنُ زُهَيْرٍ الْأَزْدِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، فَذَكَرَ نَحْوَ رِوَايَةِ أَبِي سَاسَانَ، وَفِيهِ فَضَرَبَهُ بِمِخْصَرَةٍ لَهَا رَأْسَانِ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قَالَ لَهُ: أَمْسِكْ. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ الْحُطَيْئَةُ فِي ذَلِكَ:
شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ يَوْمَ يَلْقَى رَبَّهُ … أَنَّ الْوَلِيدَ أَحَقُّ بِالْعُذْرِ
نَادَى وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ … أَأَزِيدُكُمْ سَفَهًا وَمَا يَدْرِي
فَأَتَوْا أَبَا وَهْبٍ وَلَوْ أَذِنُوا … لَقَرَنْتُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ
كَفُّوا عِنَانَكَ إِذْ جَرَيْتَ وَلَوْ … تَرَكُوا عِنَانَكَ لَمْ تَزَلْ تَجْرِي
وَذَكَرَ الْمَسْعُودِيُّ فِي الْمُرُوجِ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلَّذَيْنِ شَهِدُوا: وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ؟ قَالُوا: هِيَ الَّتِي كُنَّا نَشْرَبُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْوَلِيدَ وَلِيَ الْكُوفَةَ خَمْسَ سِنِينَ، قَالُوا: وَكَانَ جَوَادًا، فَوَلَّى عُثْمَانُ بَعْدَهُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَسَارَ فِيهِمْ سِيرَةً عَادِلَةً فَكَانَ بَعْضُ الْمَوَالِي يَقُولُ:
يَا وَيْلَنَا قَدْ عُزِلَ الْوَلِيدُ … وَجَاءَنَا مُجَوِّعًا سَعِيدُ … يُنْقِصُ فِي الصَّاعِ وَلَا يَزِيدُ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَنَسٍ اسْكُنْ أُحُدُ بِضَمِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ مُنَادَى مُفْرَدٌ وَحُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ، وَقَدْ