مِنْ جُرْحِهِ وَهِيَ أَصْوَبُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ: فَخَرَجَ النَّبِيذُ فَلَمْ يُدْرَ أَهُوَ نَبِيذٌ أَمْ دَمٌ، وَفِي رِوَايَتِهِ: فَقَالُوا: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: إِنْ يَكُنِ الْقَتْلُ بَأْسًا فَقَدْ قُتِلْتُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ: فَأَخْبَرَنِي سَالِمٌ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَ عُمَرُ: أَرْسِلُوا إِلَى طَبِيبٍ يَنْظُرُ إِلَى جُرْحِي، قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَى طَبِيبٍ مِنَ الْعَرَبِ فَسَقَاهُ نَبِيذًا فَشُبِّهَ النَّبِيذُ بِالدَّمِ حِينَ خَرَجَ مِنَ الطَّعْنَةِ الَّتِي تَحْتَ السُّرَّةِ، قَالَ: فَدَعَوْتُ طَبِيبًا آخَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَقَاهُ لَبَنًا فَخَرَجَ اللَّبَنُ مِنَ الطَّعْنَةِ أَبْيَضَ، فَقَالَ: اعْهَدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَنِي، وَلَوْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ لَكَذَّبْتُهُ. وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ: ثُمَّ دَعَا بِشَرْبَةٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَهَا فَخَرَجَ مُشَاشُ اللَّبَنِ مِنَ الْجُرْحَيْنِ فَعَرَفَ أَنَّهُ الْمَوْتُ، فَقَالَ: الْآنَ لَوْ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا كُلَّهَا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، وَمَا ذَاكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْ أَكُونَ رَأَيْتُ إِلَّا خَيْرًا.
(تَنْبِيهٌ): الْمُرَادُ بِالنَّبِيذِ الْمَذْكُورِ تَمَرَاتٌ نُبِذَتْ فِي مَاءٍ أَيْ نُقِعَتْ فِيهِ، كَانُوا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ لِاسْتِعْذَابِ الْمَاءِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي الْأَشْرِبَةِ.
قَوْلُهُ: (وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ تَسْمِيَةِ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَنَّهُ أَجَابَهُ بِمَا أَجَابَ بِهِ غَيْرَهُ. وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ، وَأَجَابَهُ بِنَحْوِ ذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ. وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ثُمَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ثُمَّ أَهْلُ الشَّامِ ثُمَّ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَكُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بَكَوْا وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي الْجِزْيَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: وَأَتَاهُ كَعْبٌ - أَيْ كَعْبُ الْأَحْبَارِ - فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَا تَمُوتُ إِلَّا شَهِيدًا، وَإِنَّكَ تَقُولُ: مِنْ أَيْنَ وَإِنِّي فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
قَوْلُهُ: (وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ) فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ السَّابِقَةِ فِي الْجَنَائِزِ: وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ هُنَا لِلشَّابِّ، فَلَوْلَا أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إِنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ لَسَاغَ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُبْهَمُ بِابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنْ لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْمُثْنِينَ مَعَ اتِّحَادِ جَوَابِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ فِي قِصَّةِ هَذَا الشَّابِّ أَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ رَأَى عُمَرُ إِزَارَهُ يَصِلُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي إِنْكَارِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَشْغَلْهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْمَوْتِ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَوْلُهُ: مَا قَدْ عَلِمْتُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَكَ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ حَدِيثِهِ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَزَادَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ، لَمْ يَمْنَعْهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ.
قَوْلُهُ: (وَقَدَمٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا فَالْأَوَّلُ بِمَعْنَى الْفَضْلِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى السَّبْقِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَهَادَةٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتُ، وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى صُحْبَةٍ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ.
قَوْلُهُ: (لَا عَلَيَّ وَلَا لِي) أَيْ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
قَوْلُهُ: (أَنْقَى لِثَوْبِكَ) بِالنُّونِ ثُمَّ الْقَافِ لِلْأَكْثَرِ، وَبِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ النُّونِ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَإِنْ قُلْتَ ذَلِكَ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، أَلَيْسَ قَدْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُعِزَّ اللَّهُ بِكَ الدِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ إِذْ يَخَافُونَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا أَسْلَمْتَ كَانَ إِسْلَامُكَ عِزًّا، وَظَهَرَ بِكَ الْإِسْلَامُ، وَهَاجَرْتَ فَكَانَتْ هِجْرَتُكَ فَتْحًا، ثُمَّ لَمْ تَغِبْ عَنْ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ قُبِضَ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، وَوَازَرْتَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ عَلَى مِنْهَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَضَرَبْتَ مَنْ أَدْبَرَ بِمَنْ أَقْبَلَ، ثُمَّ قُبِضَ الْخَلِيفَةُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ وُلِّيتَ بِخَيْرِ مَا وَلِيَ النَّاسُ: مَصَّرَ اللَّهُ بِكَ الْأَمْصَارَ، وَجَبَا بِكَ الْأَمْوَالَ، وَنَفَى بِكَ الْعَدُوَّ، وَأَدْخَلَ بِكَ عَلَى أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute