عَامِرٍ، إِنَّ الرِّيحَ قَاتِلني.
وَتَحَمَّلَتْ قُرَيْشٌ وَإِنَّ الرِّيحَ لَتَغْلِبُهُمْ عَلَى بَعْضِ أَمْتِعَتِهِمْ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنِ أَخِي حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فَوْقِنَا، وَقُرَيْظَةُ أَسْفَلَ مِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى ذَرَارِيِّنَا، وَمَا أَتَتْ عَلَيْنَا أَشَدُّ ظُلْمَةً وَلَا رِيحًا مِنْهَا، فَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَأْذِنُونَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ. فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا جَاثٍ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا ثَلَاثُمِائَةٍ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، قَالَ: فَدَعَا لِي فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي الْقَرَّ وَالْفَزَعَ، فَدَخَلْتُ عَسْكَرَهُمْ فَإِذَا الرِّيحُ فِيهِ لَا تُجَاوِزُهُ شِبْرًا، فَلَمَّا رَجَعْتُ رَأَيْتُ فَوَارِسَ فِي طَرِيقِي فَقَالُوا: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّ اللَّهَ ﷿ كَفَاهُ الْقَوْمَ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِاخْتِصَارٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
قَوْلُهُ: (عَنِ الْبَرَاءِ) سَيَأْتِي بَعْدَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّرِيقُ الْأُخْرَى لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَفِيهِ تَصْرِيحُ أَبِي إِسْحَاقَ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنَ الْبَرَاءِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ) كَذَا وَقَعَ بِالشَّكِّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا، فَأَمَّا الَّتِي بِالْمُوَحَّدَةِ فَوَاضِحٌ مِنَ الْغُبَارِ، وَأَمَّا الَّتِي بِالْمِيمِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَالْمَعْنَى وَارَى التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَمِنْهُ غِمَارُ النَّاسِ وَهُوَ جَمْعُهُمْ إِذَا تَكَاثَفَ وَدَخَلَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، قَالَ: وَرُوِيَ اعفر بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ، وَالْعَفَرُ بِالتَّحْرِيكِ: التُّرَابُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِنَصْبِ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِرَفْعِهَا، وَعِنْدَ النَّسَفِيِّ حَتَّى غَبَّرَ بَطْنَهُ أَوِ اغْبَرَّ بِمُعْجَمَةٍ فِيهِمَا وَمُوَحَّدَةٍ، وَلِأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي زَيْدٍ حَتَّى أَغْمَرَ قَالَ: وَلَا وَجْهَ لَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى سَتَرَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَتَّى وَارَى عَنِّي التُّرَابُ بَطْنَهُ قَالَ: وَأَوْجَهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ اغْبَرَّ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَبِرَفْعِ بَطْنِهِ.
قُلْتُ: وَفِي حَدِيثِ أُمٍّ سَلَمَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعَاطِيهِمُ اللَّبَنَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَقَدِ اغْبَرَّ شَعْرُ صَدْرِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَارُ جِلْدَ بَطْنِهِ وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ شَعْرِ الصَّدْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِي صِفَتِهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ أَيِ الشَّعْرِ الَّذِي فِي الصَّدْرِ إِلَى الْبَطْنِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ دِقَّتِهِ كَثِيرًا أَيْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَشِرًا بَلْ كَانَ مُسطِيلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا) بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ أَنَّ هَذَا الرَّجَزَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ، وَتَحْرِيرُهُ أنَّ الَّذِينَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا فَذَكَرَ الرَّاوِي الْأُلَى بِمَعْنَى الَّذِينَ وَحَذَفَ قَدْ، وَزَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ قَدْ وَهُمْ قَالَ: وَالْأَصْلُ إنَّ الْأُلَى هُمْ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، وَهُوَ يَتَّزِنُ بِمَا قَالَ. لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ. وَذَكَرَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَبَوْ بَدَلَ بَغَوْا وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ، أَيْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِنَا. وَوَقَعَ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ إِنَّ الْأُلَى قَدْ رَغِبُوا عَلَيْنَا كَذَا لِلسَّرَخْسِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ، وَأَبِي الْوَقْتِ، وَالْأَصِيلِيِّ، وَكَذَا فِي نُسْخَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَلِلْبَاقِينَ قَدْ بَغَوْا كَالْأُولَى. وَأَمَّا الْأَصِيلِيُّ فَضَبَطَهَا بِالْغَيْنِ الثَّقِيلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَضَبَطَهَا فِي الْمَطَالِعِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَضُبِطَتْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ كَذَا لَكِنْ بِزَايٍ أَوَّلُهُ وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْمَطَالِعِ.
قَوْلُهُ: (وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: أَبَيْنَا أَبَيْنَا) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِمُوَحَّدَةٍ وَفِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: أَبَيْنَا مَا وَقَعَ فِي آخِرِ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا وَقَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا فَإِنَّهُ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الْوَقْتِ وَكَرِيمَةَ أَتَيْنَا بِمُثَنَّاةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْأَصِيلِيِّ، وَالسَّجْزِيِّ بِمُثَنَّاةٍ، قَالَ عِيَاضٌ: كِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ إِذَا صِيحَ بِنَا لِفَزَعٍ أَوْ حَادِثٍ أَبَيْنَا الْفِرَارَ وَثَبَتْنَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَعْنَاهُ جِئْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute