وَأَقْدَامنَا عَلَى عَدُوِّنَا. قَالَ: وَالرِّوَايَةُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِالْمُثَنَّاةِ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ إِعَادَةَ الْكَلِمَةِ فِي قَوَافِي الرَّجَزِ عَنْ قُرْبٍ عَيْبٌ مَعْلُومٌ عِنْدَهُ، فَالرَّاجِحُ أَنَّ قَوْلَهُ: إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا بِالْمُوَحَّدَةِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا بِالْمُثَنَّاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ أَرَادُونَا عَلَى فِتْنَةٍ أَبَيْنَا وَهُوَ تَغْيِيرٌ.
قَوْلُهُ: (نُصِرْتُ بِالصَّبَا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ، وَالدَّبُورُ هِيَ الرِّيحُ الْغَرْبِيَّةُ، وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قُلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنْ شَيْءٍ تَقُولُهُ؟ قَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ. قَالَ: نَعَمْ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا. قَالَ: فَضَرَبَ اللَّهُ وُجُوهَ أَعْدَائِنَا بِالرِّيحِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ ﷿ بِالرِّيحِ، وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: قَالَتِ الصَّبَا لِلشِّمَالِ: اذْهَبِي بِنَا نَنْصُرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ الْحَرَائِرَ لَا تَهُبُّ بِاللَّيْلِ، فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا فَجَعَلَهَا عَقِيمًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَانَتِ الرِّيحُ الَّتِي نُصِرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصَّبَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ ذِكْرُ النُّكْتَةِ فِي تَخْصِيصِ الدَّبُورِ بِعَادٍ وَالصَّبَا بِالْمُسْلِمِينَ، وَعُرِفَ بِهَذَا وَجْهُ إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا، وَأَنَّ اللَّهَ نَصَرَ نَبِيَّهُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ بِالرِّيحِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فَكَفَأَتْ قُدُورَهُمْ، وَنَزَعَتْ خِيَامَهُمْ حَتَّى أَظْعَنَتْهُمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سَبَبِ رَحِيلِهِمْ: أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ مُسْلِمًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَوْمُهُ، فَقَالَ لَهُ: خَذِّلْ عَنَّا. فَمَضَى إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ - وَكَانَ نَدِيمًا لَهُمْ - فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُمْ مَحَبَّتِي، قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْش وَغَطَفَانَ لَيْسَتْ هَذِهِ بِلَادَهُمْ، وَإِنَّهُمْ إِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا وَإِلَّا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَتَرَكُوكُمْ فِي الْبَلَاءِ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ. قَالُوا: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: لَا تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا رَهْنًا مِنْهُمْ. فَقَبِلُوا رَأْيَهُ. فَتَوَجَّهَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ نَدِمُوا عَلَى الْغَدْرِ بِمُحَمَّدٍ فَرَاسَلُوهُ فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، فَرَاسَلَهُمْ بِأَنَّا لَا نَرْضَى حَتَّى تَبْعَثُوا إِلَى قُرَيْشٍ فَتَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا فَاقْتُلُوهُمْ. ثُمَّ جَاءَ غَطَفَانَ بِنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو سُفْيَانَ بَعَثَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَنَّا قَدْ ضَاقَ بِنَا الْمَنْزِلُ وَلَمْ نَجِدْ مَرْعًى، فَاخْرُجُوا بِنَا حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا. فَأَجَابُوا: إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ وَلَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا بُدَّ لَنَا مِنَ الرَّهْنِ مِنْكُمْ لِئَلَّا تَغْدِرُوا بِنَا. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا مَا حَذَّرَكُمْ نُعَيْمٌ، فَرَاسَلُوهُمْ ثَانِيًا أَنْ لَا نُعْطِيَكُمْ رَهْنًا، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فَافْعَلُوا.
فَقَالَتْ قُرَيْظَةُ: هَذَا مَا أَخْبَرَنَا نُعَيْمٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ نُعَيْمًا كَانَ رَجُلًا نَمُومًا، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: إِنَّ الْيَهُودَ بَعَثَتْ إِلَيَّ: إِنْ كَانَ يُرْضِيكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رَهْنًا نَدْفَعُهُمْ إِلَيْكَ فَتَقْتُلُهُمْ فَعَلْنَا، فَرَجَعَ نُعَيْمٌ مُسْرِعًا إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّهُمْ لَأَهْلُ غَدْرٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ لِقُرَيْشٍ. فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ خِذْلَانِهِمْ وَرَحِيلِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّادِسِ بَيَانُ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ
قَوْلُهُ: (أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدْتُهُ يَوْمُ الْخَنْدَقِ) أَيْ بَاشَرْتُ فِيهِ الْقِتَالَ، وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ نَافِعٍ عَنْهُ الْمَاضِيَةَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَنِي خَالِي عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي حَاجَةٍ، فَاسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَذِنَ لِي وَقَالَ: مَنْ لَقِيتَ فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا، قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ مَا عَطَفَ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ.
٤١٠٨ - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute