للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ. قالَتْ: الْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ. فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ. فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ. قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ وَتَسْفِكُ الدَّمَ وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ. قَالَ حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. قَالَ مَحْمُودٌ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَنَوْسَاتُهَا.

قَوْلُهُ: (هِشَامٌ) هُوَ ابْنُ يُوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ.

قَوْلُهُ: (قَالَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ) قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ مَعْمَرٌ، وَاسْمُ ابْنِ طَاوُسٍ عَبْدُ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ) أَيْ بِنْتِ عُمَرَ أُخْتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَنَسَوَاتُهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَذَا وَقَعَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْسَاتُهَا أَيْ ذَوَائِبُهَا، وَمَعْنَى تَنْطِفُ أَيْ تَقْطُرُ كَأَنَّهَا قَدِ اغْتَسَلَتْ، وَالنَّوْسَاتُ جَمْعُ نَوْسَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَوَائِبَهَا كَانَتْ تَنُوسُ أَيْ تَتَحَرَّكُ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَحَرَّكَ فَقَدْ نَاسَ، وَالنَّوْسُ الِاضْطِرَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ قَالَ ابْنُ التِّينِ: قَوْلُهُ نَوْسَاتٌ هُوَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَضُبِطَ بِفَتْحِهَا، وَأَمَّا نَسَوَاتٌ فَكَأَنَّهُ عَلَى الْقَلْبِ.

قَوْلُهُ: (قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ مَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ مِنَ الْقِتَالِ فِي صِفِّينَ يَوْمَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى الْحُكُومَةِ بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَرَاسَلُوا بَقَايَا الصَّحَابَةِ مِنَ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَتَوَاعَدُوا عَلَى الِاجْتِمَاعِ لِيَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ، فَشَاوَرَ ابْنُ عُمَرَ أُخْتَهُ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيْهِمْ أَوْ عَدَمِهِ فَأَشَارَتْ عَلَيْهِ بِاللَّحَاقِ بِهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يَنْشَأَ مِنْ غَيْبَتِهِ اخْتِلَافٌ يُفْضِي إِلَى اسْتِمْرَارِ الْفِتْنَةِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ) أَيْ بَعْدَ أَنِ اخْتَلَفَ الْحَكَمَانِ، وَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَكَانَ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَكَانَ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمَّا تَفَرَّقَ الْحَكَمَانِ وَهُوَ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ وَيُعَيِّنُ أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِصِفِّينَ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاجْتِمَاعَ الْأَخِيرَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ تَرُدُّهُ، وَعَلَى هَذَا تَقْدِيرُ الْكَلَامِ، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ إِلَيْهِمْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْحَكَمَانِ فَحَضَرَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا خَطَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَخْ، وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى جَعْلِ عُمَرَ الْخِلَافَةَ شُورَى فِي سِتَّةٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا فَأَمَرَتْهُ بِاللِّحَاقِ، قَالَ: وَهَذَا حِكَايَةُ الْحَالِ الَّتِي جَرَتْ قَبْلُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ، كَانَ هَذَا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ ابْنَهُ يَزِيدَ وَلِيَّ عَهْدِهِ، كَذَا قَالَ وَلَمْ يَأْتِ لَهُ بِمُسْتَنَدٍ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. ثُمَّ وَجَدْتُ فِي رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ مُعَاوِيَةُ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ قَالَتْ حَفْصَةُ: إِنَّهُ لَا يَجْمُلُ بِكَ أَنْ تَتَخَلَّفَ عَنْ صُلْحٍ يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.

وَأَنْتَ صِهْرُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ عَلَى بُخْتِيٍّ عَظِيمٍ فَقَالَ: مَنْ يَطْمَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَوْ يَرْجُوهُ أَوْ يَمُدُّ إِلَيْهِ عُنُقَهُ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ) أَيِ الْخِلَافَةِ.

قَوْلُهُ: (فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ) بِفَتْحِ الْقَافِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِدْعَتَهُ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ كُلَّمَا نَجَمَ قَرْنٌ أَيْ طَلَعَ قَرْنٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى