للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأَشَارَ النَّبِيُّ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكْسُوهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ الْخَفِيفَةِ هُوَ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بِالْقُرْبِ مِنْ مَقْبَرَةِ مَكَّةَ. (قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَاهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُرْكِزَ الرَّايَةَ) وَهَذَا السِّيَاقُ يُوهِمُ أَنَّ نَافِعًا حَضَرَ الْمَقَالَةَ الْمَذْكُورَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا صُحْبَةَ لَهُ، وَلَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ الْعَبَّاسُ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَجَّةٍ اجْتَمَعُوا فِيهَا إِمَّا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ أَوْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ إِلَخْ فَحُذِفَتْ قُلْتُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ) الْقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ عُرْوَةُ وَهُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الْخَبَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِرْسَالِ فِي الْجَمِيعِ إِلَّا فِي الْقَدْرِ الَّذِي صَرَّحَ عُرْوَةُ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَمَّا بَاقِيهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُرْوَةُ تَلَقَّاهُ عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنِ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ أَدْرَكَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، أَوْ جَمَعَهُ مِنْ نَقْلِ جَمَاعَةٍ لَهُ بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ النَّبِيُّ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ) أَيْ بِالْمَدِّ ; وَدَخَلَ النَّبِيُّ مِنْ كَدَا أَيْ بِالْقَصْرِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْآتِيَةِ أَنَّ خَالِدًا دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ وَالنَّبِيُّ مِنْ أَعْلَاهَا، وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ خَالِدًا دَخَلَ مِنْ أَسْفَلَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ مِنْ أَعْلَاهَا وَضُرِبَتْ لَهُ هُنَاكَ قُبَّةٌ، وَقَدْ سَاقَ ذَلِكَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سِيَاقًا وَاضِحًا فَقَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَخَيْلِهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَ رَايَتَهُ بِالْحَجُونِ وَلَا يَبْرَحَ حَتَّى يَأْتِيَهُ، وَبَعَثَ خَالِدَ ب نَ الْوَلِيدِ فِي قَبَائِلِ قُضَاعَةٍ وَسُلَيْمٍ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ وَأَنْ يَغْرِزَ رَايَتَهُ عِنْدَ أَدْنَى الْبُيُوتِ، وَبَعَثَ سَعْدَ بْنَ عِبَادَةَ فِي كَتِيبَةِ الْأَنْصَارِ فِي مُقَدِّمَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَلَا يُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَامَ الْفَتْحِ رَأَى النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ وُجُوهَ الْخَيْلِ بِالْخُمُرِ، فَتَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَأَنْشَدَهُ قَوْلَهُ:

عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا … تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءٌ

يُنَازِعْنَ الْأَسِنَّةَ مُسْرَجَاتٍ … يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ

فَقَالَ: أَدْخِلُوهَا مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ.

قَوْلُهُ: (فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ: حُبَيْشٌ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ بِمُعْجَمَةٍ وَنُونٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ (ابْنُ الْأَشْعَرِ) وَهُوَ لَقَبٌ، وَاسْمُهُ خَالِدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَخْزَمَ الْخُزَاعِيُّ، وَهُوَ أَخُو أُمِّ مَعْبَدٍ الَّتِي مَرَّ بِهَا النَّبِيُّ مُهَاجِرًا. وَرَوَى الْبَغَوِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَآخَرُونَ قِصَّتَهَا مِنْ طَرِيقِ حِزَامِ بْنِ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حِزَامُ بْنُ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: شَهِدَ جَدِّي الْفَتْحَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ .

قَوْلُهُ: (وَكُرْزٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ هُوَ ابْنُ جَابِرِ بْنِ حِسْلِ بِمُهْمَلَتَيْنِ بِكَسْرٍ ثُمَّ سُكُونٍ ابْنِ الْأَحَبِّ بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ ابْنِ حَبِيبٍ الْفِهْرِيُّ، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ الَّذِي أَغَارَ عَلَى سَرْحِ النَّبِيِّ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْأُولَى، ثُمَّ أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ فِي طَلَبِ الْعُرَنِيِّينِ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ هَذَيْنَ الرَّجُلَيْنِ سَلَكَا طَرِيقًا فَشَذَّا عَنْ عَسْكَرِ خَالِدٍ فَقَتَلَهُمَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أَصْحَابَ خَالِدٍ لَقُوا نَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ كَانُوا تَجَمَّعُوا بِالْخَنْدَمَةِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ مَكَانٍ أَسْفَلَ مَكَّةَ لِيُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ، فَنَاوَشُوهُمْ