حَفَظَةٌ بِاللَّيْلِ تُعَقِّبُ بَعْدَ حَفَظَةِ النَّهَارِ وَحَفَظَةُ النَّهَارِ تُعَقِّبُ بَعْدَ حَفَظَةِ اللَّيْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ عَقَّبَنِي وَقَوْلُهُمْ عَقَّبْتُ فِي أَثَرِهِ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ قَالَ: مَلَائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، فَإِذَا جَاءَ قَدَرُهُ خَلَوْا عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ يَقُولُ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَالْمُعَقِّبَاتُ هُنَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: حِفْظُهُمْ إِيَّاهُ بِأَمْرِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يَحْفَظُونَهُ مِنَ الْجِنِّ. وَمِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِكُمْ مَلَائِكَةً يَذُبُّونَ عَنْكُمْ فِي مَطْعَمِكُمْ وَمَشْرَبِكُمْ وَعَوْرَاتِكُمْ لَتُخُطِّفْتُمْ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ كِنَانَةِ الْعَدَوِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ عَدَدِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلَةِ بِالْآدَمِيِّ فَقَالَ: لِكُلِّ آدَمِيٌّ عَشَرَةٌ بِاللَّيْلِ وَعَشَرَةٌ بِالنَّهَارِ، وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَاثْنَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَاثْنَانِ عَلَى جَنْبَيْهِ وَآخَرُ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِهِ فَإِنْ تَوَاضَعَ رَفَعَهُ وَإِنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ وَاثْنَانِ عَلَى شَفَتَيْهِ لَيْسَ يَحْفَظَانِ عَلَيْهِ إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالْعَاشِرُ يَحْرُسُهُ مِنَ الْحَيَّةِ أَنْ تَدْخُلَ فَاهُ يَعْنِي إِذَا نَامَ. وَجَاءَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلٍ آخَرَ رَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فَأَخْرَجَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ قَالَ: ذَلِكَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا لَهُ حَرَسٌ وَمِنْ دُونِهِ حَرَسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: (مُعَقِّبَاتٌ) قَالَ: الْمَرَاكِبُ.
(تَنْبِيهٌ): عَقَّبْتُ يَجُوزُ فِيهِ تَخْفِيفُ الْقَافِ وَتَشْدِيدِهَا، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ كَسْرُ الْقَافِ مَعَ التَّخْفِيفِ فَيَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لُغَةً.
قَوْلُهُ: ﴿الْمِحَالِ﴾ الْعُقُوبَةُ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ قَالَ شَدِيدُ الْقُوَّةِ، وَمِثْلَهُ عَنْ قَتَادَةَ وَنَحْوَهُ عَنِ السُّدِّيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: شَدِيدُ الِانْتِقَامِ، وَأَصْلُ الْمِحَالِ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْقُوَّةُ، وَقِيلَ أَصْلُهُ الْمَحْلُ وَهُوَ الْمَكْرُ، وَقِيلَ الْحِيلَةُ وَالْمِيمُ مَزِيدَةٌ وَغَلَّطُوا قَائِلُهُ، وَيُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾ وَرَوَى النَّسَائِيُّ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي سَارَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى رَجُلٍ مِنْ فَرَاعِنَةِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُ - الْحَدِيثَ وَفِيهِ - فَأَرْسَلَ اللَّهُ صَاعِقَةً فَذَهَبَتْ بِقَحْفِ رَأْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ أُخْرَى عَنْ ثَابِتٍ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُطَوَّلًا.
قَوْلُهُ: ﴿كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ﴾ لِيَقْبِضَ عَلَى الْمَاءِ) هُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ أَيْ أَنَّ الَّذِي يَبْسُطُ كَفَّيْهِ لِيَقْبِضَ عَلَى الْمَاءِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إِلَى فَمِهِ لَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا تَجْمَعُهُ أَنَامِلُهُ، قَالَ صَابِئُ بْنُ الْحَارِثِ:
وَإِنِّي وَإِيَّاكُمْ وَشَوْقًا إِلَيْكُمْ … كَقَابِضِ مَاءٍ لَمْ تُسِقْهُ أَنَامِلُهُ
تُسِقْهُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ لَمْ تَجْمَعْهُ.
قَوْلُهُ: (رَابِيًا مِنْ رَبَا يَرْبُو) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا﴾ مِنْ رَبَا يَرْبُو أَيْ يَنْتَفِخُ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ قَتَادَةَ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: ﴿أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾ الْمَتَاعُ مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ لِذَلِكَ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (جُفَاءً يُقَالُ أَجْفَأَتِ الْقِدْرَ إِذَا غَلَتْ فَعَلَاهَا الزَّبَدُ ثُمَّ تَسْكُنُ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلَا مَنْفَعَةٍ فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: يُقَالُ أَجْفَأَتِ الْقِدْرَ وَذَلِكَ إِذَا غَلَتْ وَانْتَصَبَ زَبَدُهَا، فَإِذَا سَكَنَتْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ. وَنَقَلَ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ تُنَشِّفُهُ