لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَلَا زَوْجِهَا نَسَبٌ وَلَا سَبَبٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ الْبَصْرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وَأَمَّا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ فَأَوَّلُ اسْمِ أَبِيهِ تَحْتَانِيَّةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحِ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ (قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ الْقَائِلُ لَهُ ذَلِكَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالَكَ تَنَوَّقُ فِي قُرَيْشٍ وَتَدْعُنَا؟ قَالَ: وَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمِ ابْنَةُ حَمْزَةَ الْحَدِيثَ، وَقَوْلُهُ تَنَوَّقُ ضُبِطَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالنُّونِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ تَخْتَارُ مُشْتَقٌّ مِنَ النِّيقَةِ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا قَافٌ، وَهِيَ الْخِيَارُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ تَنَوَّقَ تَنَوُّقًا أَيْ بَالَغَ فِي اخْتِيَارِ الشَّيْءِ وَانْتِقَائِهِ. وَعِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ تَتُوقُ بِمُثَنَّاةِ مَضْمُومَةٍ بَدَلَ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مِنَ التَّوْقِ أَيْ تَمِيلُ وَتَشْتَهِي، وَوَقَعَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَتَزَوَّجُ بِنْتَ عَمِّكَ حَمْزَةَ فَإِنَّهَا مِنْ أَحْسَنِ فَتَاةٍ فِي قُرَيْشٍ وَكَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ حَمْزَةَ رَضِيعُ النَّبِيِّ ﷺ، أَوْ جَوَّزَ الْخُصُوصِيَّةَ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْحُكْمِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَبَعِيدٌ أَنْ يُقَالَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ) زَادَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ مُطْلَقًا وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ لَا يَحْرُمْنَ، الْأُولَى: أُمُّ الْأَخِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ وَإِمَّا زَوْجُ أَبٍ، وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْأَخَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى أَخِيهِ. الثَّانِيَةُ: أُمُّ الْحَفِيدِ. حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا إِمَّا بِنْتٌ أَوْ زَوْجُ ابْنٍ، وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْحَفِيدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى جَدِّهِ. الثَّالِثَةُ: جَدَّةُ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ أَوْ أُمُّ زَوْجَةٍ، وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتِ الْوَلَدَ فَيَجُوزُ لِوَالِدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. الرَّابِعَةُ: أُخْتُ الْوَلَدِ حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتٌ أَوْ رَبِيبَةٌ، وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْوَلَدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْوَالِدِ. وَهَذِهِ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْجُمْهُورُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَفِي التَّحْقِيقِ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَإِنَّمَا حَرُمْنَ مِنْ جِهَةِ الْمُصَاهَرَةِ. وَاسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أُمَّ الْعَمِّ وَأُمَّ الْعَمَّةِ وَأُمَّ الْخَالِ وَأُمَّ الْخَالَةِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَتْ ثُوَيْبَةُ - يَعْنِي الْآتِي ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ - أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ ﷺ بَعْدَمَا أَرْضَعَتْ حَمْزَةَ ثُمَّ أَرْضَعَتْ أَبَا سَلَمَةَ. قُلْتُ: وَبِنْتُ حَمْزَةَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَتَسْمِيَتُهَا فِي كِتَابِ الْمَغَازِي فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ فَتَبِعَتْهُمْ بِنْتُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمُّ الْحَدِيثَ. وَجُمْلَةُ مَا تَحَصَّلَ لَنَا مِنَ الْخِلَافِ فِي اسْمِهَا سَبْعَةُ أَقْوَالٍ: أُمَامَةُ وَعِمَارَةُ وَسَلْمَى وَعَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ وَأَمَةُ اللَّهِ وَيَعْلَى، وَحَكَى الْمِزِّيُّ فِي أَسْمَائِهَا أُمَّ الْفَضْلِ لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ بَشْكُوَالَ بِأَنَّهَا كُنْيَةٌ.
الحديث الثالث: حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَهِيَ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ (انْكِحْ أُخْتِي) أَيْ تَزَوَّجْ.
قَوْلُهُ (بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ) فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْكِحْ أُخْتِي عَزَّةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْكِحْ أُخْتِي عَزَّةَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حَمْنَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: أَصْنَعُ مَاذَا؟ قَالَتْ: تَنْكِحُهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ لَكِنْ لَمْ يُسَمِّ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَلَفْظُهُ فَقَالَ فَأَفْعَلُ مَاذَا؟ وَفِيهِ شَاهِدٌ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْفِعْلِ عَلَى مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَهُ مِنَ النُّحَاةِ. وَعِنْدَ أَبِي مُوسَى فِي الذَّيْلِ دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute