لَشَرِكَهَا النَّبِيُّ ﷺ فِيهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ إِذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ وَلَا الرَّجُلِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مُرَادَ سَهْلٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ مُضَافٌ إِلَى الْإِزَارِ لَكَانَ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ مَا عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ إِمَّا الرِّدَاءُ وَإِمَّا الْإِزَارُ؛ لِتَعْلِيلِهِ الْمَنْعَ بِقَوْلِهِ: (إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ عَلَيْكَ ثَوْبٌ تَنْفَرِدُ أَنْتَ بِلُبْسِهِ، وَثَوْبٌ آخَرُ تَأْخُذُهُ هِيَ تَنْفَرِدُ بِلُبْسِهِ لَكَانَ لَهَا أَخْذُهُ، فَإِمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا انْتَهَى.
وَقَدْ أَخَذَ كَلَامَهَ هَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَذَكَرَهُ مُلَخَّصًا، وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَهْمِ الَّذِي دَخَلَهُ الْوَهْمُ، وَالَّذِي قَالَ: فَلَهَا نِصْفُهُ هُوَ الرَّجُلُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ، وَكَلَامُ سَهْلٍ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ: (مَا لَهُ رِدَاءٌ فَقَطْ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرَضَةٌ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي فَلَهَا نِصْفُهُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ وَلَفْظُهُ: وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي وَلَهَا نِصْفُهُ قَالَ سَهْلٌ: وَمَا لَهُ رِدَاءٌ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ إِنْ لَبِسَتْهُ إِلَخْ؛ أَيْ إِنْ لَبِسَتْهُ كَامِلًا وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ ضِيقِ حَالِهِمْ وَقِلَّةِ الثِّيَابِ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لَوْ لَبِسَتْهُ بَعْدَ أَنْ تَشُقَّهُ لَمْ يَسْتُرْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ نَفْيَ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَنْفِي جُمْلَةَ الشَّيْءِ إِذَا انْتَفَى كَمَالُهُ، وَالْمَعْنَى لَوْ شَقَقْتَهُ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَحْصُلْ كَمَالُ سِتْرِكَ بِالنِّصْفِ إِذَا لَبِسْتَهُ وَلَا هِيَ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَا وَجَدْتُ وَاللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ ثَوْبِي هَذَا، اشْقُقْهُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، قَالَ: مَا فِي ثَوْبِكَ فَضْلٌ عَنْكَ، وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: وَلَكِنِّي أَشُقُّ بُرْدَتِي هَذِهِ فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ وَآخُذُ النِّصْفَ، وَفِي رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ: قَالَ مَا أَمْلِكُ إِلَّا إِزَارِي هَذَا، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَبِسَتْهُ فَأَيَّ شَيْءٍ تَلْبَسُ، وَفِي رِوَايَةِ مُبَشِّرٍ: هَذِهِ الشَّمْلَةُ الَّتِي عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي غَيْرُهَا، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ: مَا عَلَيْهِ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحَدٌ عَاقِدٌ طَرَفَيْهِ عَلَى عُنُقِهِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ: وَاللَّهُ مَا لِي ثَوْبٌ إِلَّا هَذَا الَّذِي عَلَيَّ، وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: فَقَالَ: أَعْطِهَا ثَوْبًا، قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَاعْتَلَّ لَهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَاعْتَلَّ لَهُ أَيِ اعْتَذَرَ بِعَدَمِ وِجْدَانِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ غَيْرِهِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ قَبْلَ قَوْلِهِ: هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ النَّبِيُّ ﷺ فَدَعَاهُ أَوْ دَعَّى لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَقَامَ طَوِيلًا ثُمَّ وَلَّى، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيَّ الرَّجُلِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَيَعْقُوبَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ: فَرَآهُ النَّبِيُّ ﷺ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدَعَّى لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ يكونَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ فَاسْتَفْهَمَهُ حِينَئِذٍ عَنْ كَمَّيِّتِهِ، وَوَقَعَ الْأَمْرَانِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَالَ: فَهَلْ تَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَاذَا؟ قَالَ: سُورَةُ كَذَا، وَعُرِفَ بِهَذَا الْمُرَادِ بِالْمَعِيَّةِ، وَأَنَّ مَعْنَاهَا الْحِفْظُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَبَيَانُ مَنْ زَادَ فِيهِ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَمَعِي سُورَةُ كَذَا، قَالَ: عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَوْلُهُ: (سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا) زَادَ مَالِكٌ تَسْمِيَتَهَا، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ، وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ عَدَّهُنَّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ: لِسُوَرٍ يُعَدِّدُهَا، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً عَلَى سُورَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ يُعَلِّمُهَا إِيَّاهُمَا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا تَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا كَذَا فِي كِتَابَيْ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: أَوْ وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِالْوَاوِ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: أَوْ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ الْمُفَصَّلِ، وَفِي حَدِيثِ ضُمَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ زَوَّجَ رَجُلًا عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، وَفِي حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute