للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الَّذِي ذَكَرَهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَوْ فَهِمَ أَنَّ لِلنَّبِيِّ فِيهَا رَغْبَةٌ لَمْ يَطْلُبْهَا، فَكَذَلِكَ مَنْ فَهِمَ أَنَّ لَهُ رَغْبَةً فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِيهَا حَتَّى يُظْهَرَ عَدَمُ رَغْبَتِهِ فِيهَا إِمَّا بِالتَّصْرِيحِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ.

وَفِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الصَّدَاقِ لِقَوْلِهِ: (هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تَصْدُقُهَا؟ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ فَرْجًا وُهِبَ لَهُ دُونَ الرَّقَبَةِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ الصَّدَاقَ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ وَأَنْفَعُ لِلْمَرْأَةِ، فَلَوْ عَقَدَ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ صَحَّ، وَوَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ بِالْعَقْدِ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَنْفَعَ لَهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَنْ لَوْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ.

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ. وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافٍ لِلتَّأْكِيدِ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ: (أَعْنَدَكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لَا دَلِيلَ عَلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ شَيْءٍ يَشْمَلُ الْخَطِيرَ وَالتَّافَهَ، وَهُوَ كَانَ لَا يَعْدَمُ شَيْئًا تَافِهًا كَالنَّوَاةِ وَنَحْوِهَا، لَكِنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا لَهُ قِيمَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَلِذَلِكَ نَفَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ.

وَنَقَلَ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ الَّذِي لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا لَهُ قِيمَةٌ لَا يَكُونُ صَدَاقًا وَلَا يَحِلُّ بِهِ النِّكَاحُ، فَإِنْ ثَبَتَ نَقْلُهُ فَقَدْ خَرَقَ هَذَا الْإِجْمَاعَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: يَجُوزُ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى شَيْئًا وَلَوْ كَانَ حَبَّةً مِنْ شَعِيرٍ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَافَّةُ قَوْلُهُ : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ التَّقْلِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَوْقُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاتَمَ مِنَ الْحَدِيدِ لَهُ قِيمَةٌ وَهُوَ أَعْلَى خَطَرًا مِنَ النَّوَاةِ وَحَبَّةِ الشَّعِيرِ، وَمَسَاقُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ دُونَهُ يَسْتَحِلُّ بِهِ الْبُضْعُ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي أَقَلِّ الصَّدَاقِ لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ، مِنْهَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي لَبِيبَةَ رَفَعَهُ: مَنِ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فِي النِّكَاحِ فَقَدِ اسْتَحَلَّ، وَمِنْهَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدِ اسْتَحَلَّ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ أَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلَى نَعْلَيْنِ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ الْمَهْرِ: وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ مِنْ أَرَاكٍ وَأَقْوَى شَيْءٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى نَهَى عَنْهَا عُمَرُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنَّمَا نَهَى عُمَرُ عَنِ النِّكَاحِ إِلَى أَجْلٍ لَا عَنْ قَدْرِ الصَّدَاقِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ لِجَوَازِ النِّكَاحِ بِالْخَاتَمِ الْحَدِيدِ وَمَا هُوَ نَظِيرُ قِيمَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ: لَا شَكَّ أَنَّ خَاتَمَ الْحَدِيدِ لَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ، وَهَذَا لَا جَوَابَ عَنْهُ لِأَحَدٍ وَلَا عُذْرَ فِيهِ.

وَانْفَصَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ مَعَ قُوَّتِهِ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ: (وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. خُرِّجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ فِي طَلَبِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرِدْ عَيْنَ الْخَاتَمِ الْحَدِيدِ وَلَا قَدْرَ قِيمَتِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لَا أَجِدُ شَيْئًا عُرِفَ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَقِيلَ لَهُ: وَلَوْ أَقَلُّ مَا لَهُ قِيمَةٌ كَخَاتَمِ الْحَدِيدِ، وَمِثْلُهُ: تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحَرَّقٍ وَلَوْ بِفِرْسِنِ شَاةٍ، مَعَ أَنَّ الظِّلْفَ وَالْفِرْسِنَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ، وَمِنْهَا احْتِمَالُ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ مَا يُعَجِّلُ نَقْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ، وَهَذَا جَوَابُ ابْنِ الْقَصَّارِ، وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ حَيْثُ اسْتَحَبُّوا تَقْدِيمَ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ قِيمَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا أَقَلَّ، وَمِنْهَا دَعْوَى اخْتِصَاصِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ بِهَذَا الْقَدْرِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا جَوَابُ الْأَبْهَرِيِّ، وَتُعَقَّبَ بِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ.

وَمِنْهَا احْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ رُبْعَ دِينَارٍ. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ زَوَّجَ رَجُلًا بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ فَصُّهُ فِضَّةٌ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنَ الْحَدِيدِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى وُجُوبِ تَعْجِيلِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، إِذْ لَوْ سَاغَ تَأْخِيرُهُ لَسَأَلَهُ هَلْ يَقْدِرُ