للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَمِنْهُ تَلَقَّفَ الْقُرْطُبِيُّ، وَكَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ، عَنْ عِيَاضٍ وَأَقَرَّهُ فَقَالَ عِيَاضٌ: رِوَايَةُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهَا ظَاهِرَ كِتَابِ اللَّهِ، لِأَنَّ فِيهِ ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ فَهُمَا ثِنْتَانِ لَا أَكْثَرُ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: فَكَأَنَّ الْأَسْمَاءَ انْقَلَبَتْ عَلَى رَاوِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَتَعَقَّبَ الْكِرْمَانِيُّ مَقَالَةَ عِيَاضٍ فَأَجَادَ فَقَالَ: مَتَى جَوَّزْنَا هَذَا ارْتَفَعَ الْوُثُوقُ بِأَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا أَنَّ الْمُتَظَاهِرَاتِ عَائِشَةُ وَسَوْدَةُ، وَصَفِيَّةُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ لِأَنَّهَا مُخَالَفَةٌ لِلتِّلَاوَةِ لِمَجِيئِهَا بِلَفْظِ خِطَابِ الِاثْنَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَجَاءَتْ بِخِطَابِ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رِوَايَةَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَصَحُّ وَأَوْلَى، وَمَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ حَفْصَةَ سَابِقَةٌ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ تَرَكَ الشُّرْبَ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِتَحْرِيمٍ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، ثُمَّ لَمَّا شَرِبَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ تَظَاهَرَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ فَحَرَّمَ حِينَئِذٍ الْعَسَلَ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. قَالَ: وَأَمَّا ذِكْرُ سَوْدَةَ مَعَ الْجَزْمِ بِالتَّثْنِيَةِ فِيمَنْ تَظَاهَرَ مِنْهُنَّ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا كَانَتْ كَالتَّابِعَةِ لِعَائِشَةِ وَلِهَذَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا لَهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهِبَةِ فَلَا اعْتِرَاضَ بِدُخُولِهِ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا يَمْتَنِعُ هِبَتُهَا يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ أَنْ يَتَرَدَّدَ إِلَى سَوْدَةَ. قُلْتُ: لَا حَاجَةَ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذِكْرَ سَوْدَةَ إِنَّمَا جَاءَ فِي قِصَّةِ شُرْبِ الْعَسَلِ عِنْدَ حَفْصَةَ وَلَا تَثْنِيَةَ فِيهِ وَلَا نُزُولَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَأَمَّا قِصَّةُ الْعَسَلِ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ تَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ عُمَرُ مِنْ أَنَّ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَمُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَوَجَدَتْ لِقِصَّةِ شُرْبِ الْعَسَلِ عِنْدَ حَفْصَةَ شَاهِدًا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوَاتُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى غَالِبِ أَلْفَاظِهِ، وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ أَنَّ شُرْبَ الْعَسَلِ كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَرْجُوحٌ لِإِرْسَالِهِ وَشُذُوذِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ. قَوْلُهُ (زَعَمَ عَطَاءٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الزَّعْمَ عَلَى مُطْلَقِ الْقَوْلِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَقَدْ مَضَى فِي التَّفْسِيرِ.

قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ثُمَّ يَمْكُثُ عِنْدَهَا وَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ.

قَوْلُهُ (فَتَوَاصَيْتُ) كَذَا هُنَا بِالصَّادِ مِنَ الْمُوَاصَاةِ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ فَتَوَاطَيْتُ بِالطَّاءِ مِنَ الْمُوَاطَأَةِ، وَأَصْلُهُ تَوَاطَأْتُ بِالْهَمْزَةِ فَسُهِّلَتِ الْهَمْزَةُ فَصَارَتْ يَاءً، وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ.

قَوْلُهُ (أَنْ أَيَّتُنَا دَخَلَ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَيَّتُنَا مَا دَخَلَ بِزِيَادَةِ مَا وَهِيَ زَائِدَةٌ.

قَوْلُهُ (إِنِّي لِأَجِدُ رِيحُ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ بِتَقْدِيمِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ وَتَأْخِيرِ إِنِّي أَجِدُ. وَأَكَلْتَ اسْتِفْهَامٌ مَحْذُوفُ الْأَدَاةِ، وَالْمَغَافِيرُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَبِإِثْبَاتِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنَ الْحَدِيثِ بِحَذْفِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الَّتِي فِي الْمُفْرَدِ، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ اهـ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْمَغَافِيرَ جَمْعُ مُغْفُورٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيُقَالُ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ بَدَلَ الْفَاءِ حَكَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ فِي النَّبَاتِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَفْعُولٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ إِلَّا مُغْفُورٌ وَمُغْزُولٌ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ أَسْمَاءِ الْكَمْأَةِ، وَمُنْخُورِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْفِ، وَمُغْلُوقٌ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُ الْمَغَالِيقِ، قَالَ: وَالْمُغْفُورُ صَمْغٌ حُلْوٌ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْمُغْفُورَ شَبِيهٌ بِالصَّمْغِ يَكُونُ فِي الرِّمْثِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَهُوَ مِنَ الشَّجَرِ الَّتِي تَرْعَاهَا الْإِبِلُ وَهُوَ مِنَ الْحَمْضِ، وَفِي الصَّمْغِ الْمَذْكُورِ حَلَاوَةٌ، يُقَالُ أَغَفَرَ الرِّمْثُ إِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فِيهِ. وَذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ الْمُغْفُورَ يَكُونُ