بَابِ لُبْسِ الْحَرِيرِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَلَفْظُهُ لَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ حُلَّةً سِيَرَاءَ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، بِحُلَّةٍ سِيَرَاءَ مِنْ حَرِيرٍ وَمِنْ بَيَانِيَّةٌ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ السِّيَرَاءَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ حَرِيرٍ.
قَوْلُهُ: (كَسَاهَا إِيَّاهُ) كَذَا أُطْلِقَ، وَهِيَ بِاعْتِبَارِ مَا فَهِمَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهِ بِهَا لِيَلْبَسَهَا، أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَسَاهُ أَعْطَاهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِسْوَةً، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمَاضِيَةِ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ حُلَّةً وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحُلَّةٍ وَأَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً وَعُرِفَ بِهَذَا جِهَةُ الْحُلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ عُمَرُ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِيهَا مَا قُلْتَ) فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلَّتِهِ يَحْمِلُهَا فَقَالَ: بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ وَقَدْ قُلْتَ بِالْأَمْسِ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْسِ هُنَا يَحْتَمِلُ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ أَوْ مَا قَبْلَهَا بِحَسَبِ مَا اتَّفَقَ مِنْ وُصُولِ الْحُلَلِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ قِصَّةِ حُلَّةِ عُطَارِدٍ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَخَرَجْتُ فَزِعًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُ بِهَا إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا) فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ لِتُصِيبَ بِهَا وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ كَمَا مَضَى فِي الْعِيدَيْنِ تَبِيعَهَا وَتُصِيبَ بِهَا حَاجَتَكَ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَالِمٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ لِتُصِيبَ بِهَا مَالًا وَزَادَ مَالِكٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا زَادَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَخًا لَهُ مِنْ أُمِّهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا الْأَخِ إِلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ الْحَذَّاءِ فِي رِجَالِ الْمُوَطَّأِ فَقَالَ: اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: هُوَ السُّلَمِيُّ أَخُو خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ، قَالَ: وَهُوَ أَخُو زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ لِأُمِّهِ. فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخُو عُمَرَ لِأُمِّهِ لَمْ يُصِبْ. قُلْتُ: بَلْ لَهُ وَجْهٌ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ ارْتَضَعَ مِنْ أُمِّ أَخِيهِ زَيْدٍ فَيَكُونُ عُثْمَانُ أَخَا عُمَرَ لِأُمِّهِ مِنَ الرَّضَاعِ وَأَخَا زَيْدٍ لِأُمِّهِ مِنَ النَّسَبِ.
وَأَفَادَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ وَالِدَةَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ هِيَ أُمُّ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذِكْرِهِ فِي الصَّحَابَةِ، فَإِنْ كَانَ أَسْلَمَ فَقَدْ فَاتَهُمْ، فَلْيُسْتَدْرَكْ، وَإِنْ كَانَ مَاتَ كَافِرًا وَكَانَ قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْبَعْثَ إِلَيْهِ كَانَ فِي حَالِ كُفْرِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَلْتُعَدُّ بِنْتُهُ فِي الصَّحَابَةِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي أَوَّلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِي قَبَاءِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ فَقَالَ: نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ زِيَادَةً عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَهِيَ فَأَعْطَاهُ لِعُمَرَ، فَقَالَ: لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ بَلْ لِتَبِيعَهُ، فَبَاعَهُ عُمَرُ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بَاعَهُ بِإِذْنِ أَخِيهِ بَعْدَ أَنْ أَهْدَاهُ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ): وَجْهُ إِدْخَالِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابُ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ لِعُمَرَ لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا لِأَنَّ الْحَرِيرَ إِذَا كَانَ لُبْسُهُ مُحَرَّمًا عَلَى الرِّجَالِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ فَيَنْحَصِرُ الْإِذْنُ فِي النِّسَاءِ، وَأَمَّا كَوْنُ عُمَرَ كَسَاهَا أَخَاهُ فَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ وَيَكُونُ أَهْدَى عُمَرُ الْحُلَّةَ لِأَخِيهِ لِيَبِيعَهَا أَوْ يَكْسُوَهَا امْرَأَةً، وَيُمْكِنُ مَنْ يَرَى أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِالتَّمَسُّكِ بِدُخُولِ النِّسَاءِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ أَوْ يَكْسُوَهَا أَيْ إِمَّا لِلْمَرْأَةِ أَوْ لِلْكَافِرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ أَيْ مِنَ الرِّجَالِ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute