للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ ثَلَّثْتُ فَقَالَ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِ عُوَيْمِرٍ فَرَدَّدَهَا، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَضْرِبُ أَنْفَهُ بِإِصْبَعِهِ.

وَمِنْهَا لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ وَاهِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيِّ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ. قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ لِأُنَادِيَ بِهَا فِي النَّاسِ، فَلَقِيَنِي عُمَرُ فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّ النَّاسَ إِنْ يَعْلَمُوا بِهَذَا اتَّكَلُوا عَلَيْهَا، فَرَجَعْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ فَقَالَ: صَدَقَ عُمَرُ قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْأَخِيرَةُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ مَنْ جَاهَدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - قَرِيبًا

الْحَدِيثُ الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مِثْلُ حَبِيبٍ، وَهُوَ الْحَبَطِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، ثُمَّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إِلَى الْحَبَطَاتِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ، ضَعَّفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَبَعًا لِأَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيِّ، وَالْأَزْدِيُّ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَلَا يُتْبَعُ فِي ذَلِكَ، وَأَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا سَعِيدٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ:، حَدَّثَنِي يُونُسُ) هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنَ اللَّيْثِ، وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِإِيرَادِهِ تَقْوِيَةَ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ.

قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ لِي) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْوَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي أَوَّلِهِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ.

قَوْلُهُ: (مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا) فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ لَوْ أَنَّ أُحُدَكُمْ عِنْدِي ذَهَبًا.

قَوْلُهُ: (مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ) فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ، وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ: وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ لَيْسَ شَيْئًا أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ وُقُوعُ التَّمَنِّي بَعْدَ مَثَلٍ، وَجَوَابُ لَوْ مُضَارِعًا مَنْفِيًّا بِمَا، وَحَقُّ جَوَابِهَا أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا مُثْبَتًا نَحْوَ لَوْ قَامَ لَقُمْتُ، أَوْ بِلَمْ نَحْوَ لَوْ قَامَ لَمْ أَقُمْ، وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الْمُضَارِعَ مَوْضِعَ الْمَاضِي الْوَاقِعُ جَوَابًا، كَمَا وَقَعَ مَوْضِعُهُ وَهُوَ شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾

ثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مَا كَانَ يَسُرُّنِي فَحَذَفَ كَانَ وَهُوَ جَوَابٌ، وَفِيهِ ضَمِيرٌ وَهُوَ الِاسْمُ، وَيَسُرُّنِي خَبَرٌ، وَحَذْفُ كَانَ مَعَ اسْمِهَا وَبَقَاءُ خَبَرِهَا كَثِيرٌ نَظْمًا وَنَثْرًا، وَمِنْهُ: الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ قَالَ: وَأَشْبَهُ شَيْءٍ بِحَذْفِ كَانَ قَبْلَ يَسُرُّنِي حَذْفُ جَعَلَ قَبْلَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا﴾؛ أَيْ جَعَلَ يُجَادِلُنَا، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى.

وَفِيهِ أَيْضًا وُقُوعُ لَا بَيْنَ أَنْ وَتَمُرُّ وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى مَا يَسُرُّنِي أَنْ تَمُرَّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ مَا يَسُرُّنِي هُوَ جَوَابُ لَوْ الِامْتِنَاعِيَّةِ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَسُرَّهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، وَفِيهِ نَوْعُ مُبَالَغَةٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسُرَّهُ كَثْرَةُ مَا يُنْفِقُهُ فَكَيْفَ مَا لَا يُنْفِقُهُ قَالَ: وَفِي التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثَةِ تَتْمِيمٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي سُرْعَةِ الْإِنْفَاقِ، فَلَا تَكُونُ لَا زَائِدَةً كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ؛ بَلِ النَّفْيُ فِيهَا عَلَى حَالِهِ.

قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ ابْنِ مَالِكٍ الرِّوَايَةُ الْمَاضِيَةُ قَبْلُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ بِلَفْظِ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ.

وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ: أَدَبُ أَبِي ذَرٍّ مَعَ النَّبِيِّ وَتَرَقُّبُهُ أَحْوَالَهُ، وَشَفَقَتَهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَدْنَى شَيْءٍ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ. وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ مَعَ الْأَكَابِرِ وَأَنَّ الصَّغِيرَ إِذَا رَأَى الْكَبِيرَ مُنْفَرِدًا لَا يَتَسَوَّرُ عَلَيْهِ وَلَا يَجْلِسُ مَعَهُ وَلَا يُلَازِمُهُ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ فِي مَجْمَعٍ كَالْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ، فَيَكُونُ جُلُوسُهُ مَعَهُ