للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشَّافِعِيِّ يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ: تَذَكُّرٍ فَإِنَّهُ مِنْ صُوَرِ التَّذَكُّرِ عُرْفًا، وَيُلْتَحَقُ بِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَنَحْوُهَا، وَعَنْ طَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَهُ، وَقَالَ: مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَعَنْ إِسْحَاقَ مِثْلُهُ، وَقَالَ: إِلَّا أَنْ يَقَعَ السُّكُوتُ، وَعَنْ قَتَادَةَ: إِذَا اسْتَثْنَى قَبْلَ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَتَكَلَّمَ، وَعَنْ عَطَاءٍ: قَدْرَ حَلْبِ نَاقَةٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْوَالٌ، مِنْهَا: لَهُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، وَعَنْهُ: كَقَوْلِ سَعِيدٍ، وَعَنْهُ: شَهْرٌ، وَعَنْهُ: سَنَةٌ، وَعَنْهُ: أَبَدًا.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَحْنَثَ أَحَدٌ فِي يَمِينِهِ، وَأَنْ لَا تُتَصَوَّرَ الْكَفَّارَةُ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى الْحَالِفِ، قَالَ: وَلَكِنَّ وَجْهَ الْخَبَرِ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنِ الْحَالِفِ لِتَرْكِهِ الِاسْتِثْنَاءَ ; لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا نَسِيَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَسْتَدْرِكُهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْحَالِفَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنِ انْقَضَى كَلَامُهُ أَنَّ مَا عَقَدَهُ بِالْيَمِينِ يَنْحَلُّ، وَحَاصِلُهُ حَمْلُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ عَلَى لَفْظِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَطْ، وَحَمْلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى التَّبَرُّكِ. وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا - ثَلَاثًا: ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ عَلَى السُّكُوتِ لِتَنَفُّسٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سُؤَالِ مَنْ سَأَلَ النَّبِيَّ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ غَدًا أُجِيبُكُمْ فَتَأَخَّرَ الْوَحْيُ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَرِدْ هَكَذَا مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْكَلَامِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يُفِيدُ بَعْدَ قَطْعِ الْكَلَامِ لَقَالَ: فَلْيَسْتَثْنِ ; لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنَ التَّكْفِيرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى - لِأَيُّوبَ: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ﴾ فَإِنَّ قَوْلَهُ: اسْتَثْنِ أَسْهَلُ مِنَ التَّحَيُّلِ لِحَلِّ الْيَمِينِ بِالضَّرْبِ، وَلَلَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ الْإِقْرَارَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، فَيُسْتَثْنَى مَنْ أَقَرَّ أَوْ طَلَّقَ أَوْ أَعَتَقَ بَعْدَ زَمَانٍ، وَيَرْتَفِعُ حُكْمُ ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى تَأْوِيلُ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدِ اخْتُلِفَ: هَلْ يُشْتَرَطُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ أَوْ لَا؟ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَنَقَلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِ وُقُوعِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْكَلَامِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ يَنْشَأُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مَثَلًا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَنَقْلُهُ مُعَارَضٌ بِمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مُتَّصِلًا بِهِ كَفَى، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ عَقَّبَ الْحَلِفَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِاللَّفْظِ، وَحِينَئِذٍ يَتَحَصَّلُ ثَلَاثُ صُوَرٍ: أَنْ يَقْصِدَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ أَثْنَائِهِ، وَلَوْ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ، فَيَخْتَصُّ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ بأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي الثَّالِثِ، وَأَبْعَدَ مَنْ فَهِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي الثَّانِي أَيْضًا، وَالْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ إِجْمَاعُ مَنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ الِاتِّصَالُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ ثَابِتٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: يُشْتَرَطُ الِاسْتِثْنَاءُ قَبْلَ تَمَامِ الْيَمِينِ، قَالَ: وَالَّذِي أَقُولُ: إِنَّهُ لَوْ نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَا اسْتِثْنَاءً، وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ فَيَحُلُّهَا الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ بِالْيَمِينِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا أَفْعَلُ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ فَقَطْ، فَفَعَلَ يَحْنَثُ، وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا أَطْلَقَ أَوْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْحَلِفِ أَوْ أَخَّرَهُ هَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي كُلِّ مَا يُحْلَفُ بِهِ إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ: لَا يَدْخُلُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَكَذَا جَاءَ عَنْ طَاوُسٍ وَعَنْ مَالِكٍ، مِثْلُهُ: وَعَنْهُ: إِلَّا الْمَشْيَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَاللَّيْثُ: يَدْخُلُ فِي الْجَمِيعِ إِلَّا الطَّلَاقَ، وَعَنْ أَحْمَدَ يَدْخُلُ الْجَمِيعَ إِلَّا الْعِتْقَ