السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا عُمَرُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قَدْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَقَمْنَا فُلَانًا، يَعْنُونَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ.
وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ الَّذِينَ عَنَوْا أَنَّهُمْ يُبَايِعُونَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً)، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ ثُمَّ تَاءُ تَأْنِيثٍ أَيْ فَجْأَةً وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ، وَجَاءَ عَنْ سَحْنُونٍ، عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا بِضَمِّ الْفَاءِ وَيُفَسِّرُهَا بِانْفِلَاتِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ وَيَقُولُ: إِنَّ الْفَتْحَ غَلَطٌ وَإِنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ فِيمَا يُنْدَمُ عَلَيْهِ، وَبَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ مِمَّا لَا يَنْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَتُعُقِّبَ بِثُبُوتِ الرِّوَايَةِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الشَّيْءِ بَغْتَةً أَنْ يَنْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، بَلْ يُمْكِنُ النَّدَمُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَطْلَقُوا عَلَى بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلْتَةً: فَمَا يَمْنَعُ امْرَأً إِنْ هَلَكَ هَذَا أَنْ يَقُومَ إِلَى مَنْ يُرِيدُ فَيَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَتَكُونَ أَيِ الْبَيْعَةُ كَمَا كَانَتْ - أَيْ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ -، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي مَعْنَى الْفَلْتَةِ بَعْدُ.
قَوْلُهُ: (فَغَضِبَ عُمَرُ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: غَضَبًا مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ مِثْلَهُ مُنْذُ كَانَ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ) كَذَا فِي رِوَايَةِ الْجَمِيعِ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: يَغْتَصِبُوهُمْ بِزِيَادَةِ مُثَنَّاةٍ بَعْدَ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَعْضَبَ أَيْ صَارَ لَا نَاصِرَ لَهُ، وَالْمَعْضُوبُ: الضَّعِيفُ، وَهُوَ مِنْ عَضِبَتِ الشَّاةُ إِذَا انْكَسَرَ أَحَدُ قَرْنَيْهَا أَوْ قَرْنُهَا الدَّاخِلُ وَهُوَ الْمُشَاشُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ عَلَى الْأَمْرِ فَيَضْعُفُ لِضَعْفِهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَثْبُتُونَ عَلَى الْأَمْرِ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا مُشَاوَرَةٍ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ عَلِيٍّ وَفْقَ مَا حَذَّرَهُ عُمَرُ ﵁.
قَوْلُهُ: (يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ) الرَّعَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِمُهْمَلَتَيْنِ الْجَهَلَةُ الرُّذَلَاءُ، وَقِيلَ الشَّبَابُ مِنْهُمْ وَالْغَوْغَاءُ بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ، أَصْلُهُ صِغَارُ الْجَرَادِ حِينَ يَبْدَأُ فِي الطَّيَرَانِ، وَيُطْلَقُ عَلَى السِّفْلَةِ الْمُسْرِعِينَ إِلَى الشَّرِّ.
قَوْلُهُ: (يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيِ الْمَكَانِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِالنُّونِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ: عَلَى مَجْلِسِكَ إِذَا قُمْتَ فِي النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (يُطِيرُهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَطَارَ الشَّيْءَ إِذَا أَطْلَقَهُ، وَلِلسَّرَخْسِيِّ: يَطِيرُهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، وَمِثْلُهُ لِابْنِ وَهْبٍ، وَقَالَ يَطِيرَنَّهَا أُولَئِكَ وَلَا يَعُونُهَا، أَيْ لَا يَعْرِفُونَ الْمُرَادَ بِهَا.
قَوْلُهُ: (فَتَخْلُصُ) بِضَمِّ اللَّامِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ تَصِلُ.
قَوْلُهُ: (لَأَقُومَنَّ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: فَقَالَ لَئِنْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ صَالِحًا لَأُكَلِّمَنَّ النَّاسَ بِهَا.
قَوْلُهُ: (أَقُومُهُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَالسَّرَخْسِيِّ: أَقُومُ بِحَذْفِ الضَّمِيرِ.
قَوْلُهُ: (فِي عَقِبِ ذِي الْحِجَّةِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَبِفَتْحِهَا وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُقَالُ لِمَا بَعْدَ التَّكْمِلَةِ وَالثَّانِي لِمَا قَرُبَ مِنْهَا، يُقَالُ جَاءَ عَقِبَ الشَّهْرِ بِالْوَجْهَيْنِ، وَالْوَاقِعُ الثَّانِي لِأَنَّ قُدُومَ عُمَرُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ.
قَوْلُهُ: (عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: بِالرَّوَاحِ، زَادَ سُفْيَانُ عِنْدَ الْبَزَّارِ: وَجَاءَتِ الْجُمُعَةُ وَذَكَرْتُ مَا حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَهَجَّرْتُ إِلَى الْمَسْجِد، وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ: لِمَا أَخْبَرَنِي.
قَوْلُهُ: (حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: حِينَ كَانَتْ صَكَّةُ عُمَيٍّ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ، وَعُمَيٌّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَقِيلَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَزْنُ حُبْلَى، زَادَ أَحْمَدُ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى: قُلْتُ لِمَالِكٍ: مَا صَكَّةُ عُمَيٍّ؟ قَالَ: الْأَعْمَى، قَالَ: لَا يُبَالِي أَيَّ سَاعَةٍ خَرَجَ، لَا يَعْرِفُ الْحَرَّ مِنَ الْبَرْدِ أَوْ نَحْوَ هَذَا.
قُلْتُ: وَهُوَ تَفْسِيرُ مَعْنًى، وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ اشْتِدَادُ الْهَاجِرَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ مِنَ الْعَمَالِقَةِ يُقَالُ لَهُ عُمَيٌّ غَزَا قَوْمًا فِي قَائِمِ الظَّهِيرَةِ فَأَوْقَعَ بِهِمْ، فَصَارَ مَثَلًا لِكُلِّ مَنْ جَاءَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقِيلَ