هُوَ رَجُلٌ مِنْ عَدْوَانَ كَانَ يُفِيضُ بِالْحَاجِّ عِنْدَ الْهَاجِرَةِ فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَكُونُ كَالْأَعْمَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الشَّمْسِ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ أَصْلُهُ أَنَّ الظَّبْيَ يَدُورُ أَيْ يَدُوخُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فَيَصُكُّ بِرَأْسِهِ مَا وَاجَهَهُ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مَالِكٍ: صَكَّةُ عُمَيٍّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ تُسَمِّيهَا الْعَرَبُ، وَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: حَذْوَهُ وَكَذَا لِمَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْغَرَوِيِّ، عَنْ مَالِكٍ: حِذَاءَهُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ أَنْشَبْ) بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ أَيْ لَمْ أَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ غَيْرِ مَا كُنْتُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ سُرْعَةُ خُرُوجِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (أَنْ خَرَجَ) أَيْ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى جِهَةِ الْمِنْبَرِ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: أَنْ طَلَعَ عُمَرُ - أَيْ ظَهَرَ - يَؤُمُّ الْمِنْبَرَ أَيْ يَقْصِدُهُ.
قَوْلُهُ: (لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً) أَيْ عُمَرُ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (مَا عَسَيْتُ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: مَا عَسَى.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ) زَادَ سُفْيَانُ: فَغَضِبَ سَعِيدٌ وَقَالَ مَا عَسَيْتُ، قِيلَ: أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُنَبِّهَ سَعِيدًا مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَكُونَ عَلَى يَقَظَةٍ فَيُلْقِيَ بَالَهُ لِمَا يَقُولُهُ عُمَرُ فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْ سَعِيدٍ مَوْقِعًا بَلْ أَنْكَرَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا سَبَقَ لِعُمَرَ، وَعَلَى بِنَاءِ أَنَّ الْأُمُورَ اسْتَقَرَّتْ.
قَوْلُهُ: (لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي) أَيْ بِقُرْبِ مَوْتِي، وَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عَلَى لِسَان عُمَرُ فَوَقَعَتْ كَمَا قَالَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا قَبْلَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ سَبَبُ ذَلِكَ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ هَذِهِ: رَأَيْتُ رُؤْيَايَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا عِنْدَ قُرْبِ أَجَلِي، رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي، وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمُوَطَّأِ: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا صَدَرَ مِنَ الْحَجِّ دَعَا اللَّهَ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ، وَقَالَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ: فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْحَقِّ) قَالَ الطِّيبِيُّ: قَدَّمَ عُمَرُ هَذَا الْكَلَامَ قَبْلَ مَا أَرَادَ أن يَقُولَهُ تَوْطِئَةً لَهُ؛ لِيَتَيَقَّظَ السَّامِعُ لِمَا يَقُولُ.
قَوْلُهُ: (فَكَانَ مِمَّا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فِيمَا.
قَوْلُهُ: (آيَةُ الرَّجْمِ) تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: آيَةُ الرَّجْمِ بِالرَّفْعِ اسْمُ كَانَ، وَخَبَرُهَا مِنْ التَّبْعِيضِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فَفِيهِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الِاسْمِ وَهُوَ كَثِيرٌ.
قَوْلُهُ: (وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: وَرَجَمَ بِزِيَادَةِ وَاوٍ، وَكَذَا لِمَالِكٍ.
قَوْلُهُ: (فَأَخْشَى) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: وَإِنِّي خَائِفٌ.
قَوْلُهُ: (فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ) أَيْ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا، وَقَدْ وَقَعَ مَا خَشِيَهُ عُمَرُ أَيْضًا فَأَنْكَرَ الرَّجْمَ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ أَوْ مُعْظَمُهُمْ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى تَوْقِيفٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: سَيَجِيءُ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ الْحَدِيثَ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: وَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: مَا بَالُ الرَّجْمِ، وَإِنَّمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْجَلْدُ، أَلَا قَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عُمَرَ اسْتَحْضَرَ أَنَّ نَاسًا قَالُوا ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ: إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا أَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَدْ رَجَمَ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَجْمُ الثَّيِّبِ وَجَلْدُ الْبِكْرِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ) أَيْ بِشَرْطِهَا.
قَوْلُهُ: (إِذَا أَحْصَنَ) أَيْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا قَدْ تَزَوَّجَ حُرَّةً تَزْوِيجًا صَحِيحًا وَجَامَعَهَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ الْحَبَلُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْحَمْلُ أَيْ وُجِدَتِ الْمَرْأَةُ الْخَلِيَّةُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ حُبْلَى وَلَمْ تُذْكرْ شُبْهَة وَلَا