إِكْرَاه.
قَوْلُهُ: (أَوْ الِاعْتِرَافُ) أَيِ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: أَوْ كَانَ حَمْلًا أَوِ اعْتِرَافًا وَنُصِبَ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ كَانَ الزِّنَا عَنْ حَمْلٍ أَوْ عَنِ اعْتِرَافٍ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) أَيْ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ.
قَوْلُهُ: (لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ) أَيْ لَا تَنْتَسِبُوا إِلَى غَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكَمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكَمْ) كَذَا هُوَ بِالشَّكِّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِالشَّكِّ، لَكِنْ قَالَ: لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكَمْ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكَمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ مَالِكٍ: فَإِنَّ كُفْرًا بِكَمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ.
قَوْلُهُ: (أَلَا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: أَلَا وَإِنَّ بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ، وَأَلَا - بِالتَّخْفِيفِ - حَرْفُ افْتِتَاحِ كَلَامٍ غَيْرِ الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (لَا تُطْرُونِي) هَذَا الْقَدْرُ مِمَّا سَمِعَهُ سُفْيَانُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، أَفْرَدَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مُفْرَدًا فِي تَرْجَمَةِ عِيسَى ﵇ مِنْ أَحَادِيثُ الْأَنْبِيَاءُ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ بِسَنَدِهِ هَذَا، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْإِطْرَاءِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى.
قَوْلُهُ: (وَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ فَقُولُوا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يَلْزَمُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ وُقُوعُهُ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ادَّعَى فِي نَبِيِّنَا مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فِي عِيسَى، وَإِنَّمَا سَبَبُ النَّهْيِ فِيمَا يَظْهَرُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ مَعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لَمَّا اسْتَأْذَنَ فِي السُّجُودِ لَهُ فَامْتَنَعَ وَنَهَاهُ، فَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُبَالِغَ غَيْرُهُ بِمَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ فَبَادَرَ إِلَى النَّهْيِ تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا تُطْرُونِي لَا تَمْدَحُونِي كَمَدْحِ النَّصَارَى، حَتَّى غَلَا بَعْضُهُمْ فِي عِيسَى فَجَعَلَهُ إِلَهًا مَعَ اللَّهِ، وَبَعْضُهُمُ ادَّعَى أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ، وَبَعْضُهُمُ ابْنُ اللَّهِ.
ثُمَّ أَرْدَفَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: وَالنُّكْتَةُ فِي إِيرَادِ عُمَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ هُنَا أَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمُ الْغُلُوَّ، يَعْنِي خَشِيَ عَلَى مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ فِي الْفَهْمِ أَنْ يَظُنَّ بِشَخْصٍ اسْتِحْقَاقَهُ الْخِلَافَةَ فَيَقُومُ فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ لَا يَسْتَحِقُّ فَيُطْرِيهِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمُنَاسَبَةُ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ فِي مَدْحِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ مِنَ الْإِطْرَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: وَلَيْسَ فِيكُمْ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَمُنَاسَبَةُ إِيرَادِ عُمَرَ قِصَّةَ الرَّجْمِ وَالزَّجْرِ عَنِ الرَّغْبَةِ عَنِ الْآبَاءِ لِلْقِصَّةِ الَّتِي خَطَبَ بِسَبَبِهَا وَهِيَ قَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْ مَاتَ عُمَرُ لَبَايَعْتُ فُلَانًا أَنَّهُ أَشَارَ بِقِصَّةِ الرَّجْمِ إِلَى زَجْرِ مَنْ يَقُولُ لَا أَعْمَلُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَّا بِمَا وَجَدْتُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ التَّشَاوُرِ إِذَا مَاتَ الْخَلِيفَةُ، بَلْ إِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ، كَمَا أَنَّ الرَّجْمَ لَيْسَ فِيمَا يُتْلَى مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ.
وَأَمَّا الزَّجْرُ عَنِ الرَّغْبَةِ عَنِ الْآبَاءِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَتَنَزَّلُ لِلرَّعِيَّةِ مَنْزِلَةَ الْأَبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَرْغَبُوا إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ بِشَرْطِهَا كَمَا تَجِبُ طَاعَةُ الْأَبِ، هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (أَلَا وَإِنَّهَا) أَيْ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ.
قَوْلُهُ: (قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ) أَيْ فَلْتَةً، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ، حَكَى ثَعْلَبٌ، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَخْرَجَهُ سَيْفٌ فِي الْفُتُوحِ بِسَنَدِهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ قَالَ: الْفَلْتَةُ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُشَكُّ فِيهَا هَلْ هِيَ مِنْ رَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ وَهَلْ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَوْ صَفَرٍ، كَانَ الْعَرَبُ لَا يُشْهِرُونَ السِّلَاحَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَكَانَ مَنْ لَهُ ثَأْرٌ تَرَبَّصَ فَإِذَا جَاءَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ انْتَهَزَ الْفُرْصَةَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ انْسِلَاخُ الشَّهْرِ فَيَتَمَكَّنُ مِمَّنْ يُرِيدُ إِيقَاعَ الشَّرِّ بِهِ وَهُوَ آمِنٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الشَّرُّ الْكَثِيرُ، فَشَبَّهَ عُمَرُ الْحَيَاةَ النَّبَوِيَّةَ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْفَلْتَةَ بِمَا وَقَعَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَوَقَى اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ النُّهُوضِ فِي قِتَالِهِمْ وَإِخْمَادِ شَوْكَتِهِمْ، كَذَا قَالَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا انْتِهَازُ الْفُرْصَةِ، لَكِنْ كَانَ يَنْشَأُ عَنْ أَخْذِ الثَّأْرِ الشَّرُّ الْكَثِيرُ، فَوَقَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْشَأْ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ شَرٌّ، بَلْ