رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْفَتْحِ جُنْدَبُ بْنُ الْأَدْلَعِ قَتَلَهُ بَنُو كَعْبٍ فَوَدَاهُ بِمِائَةِ نَاقَةٍ، لَكِنْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ اسْمَهُ جُنْدَبُ بْنُ الْأَدْلَعِ، فَرَآهُ جُنْدَبُ بْنُ الْأَعْجَبِ الْأَسْلَمِيُّ فَخَرَجَ يَسْتَجِيشُ عَلَيْهِ فَجَاءَ خِرَاشٌ فَقَتَلَهُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ فَلَعَلَّهُ كَانَ هُذَلِيًّا حَالَفَ بَنِي لَيْثٍ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَرَأَيْتُ فِي آخِرِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ فَوَائِدِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ اسْمَ الْخُزَاعِيِّ الْقَاتِلِ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَإِنْ ثَبَتَ فَلَعَلَّ هِلَالًا لَقَبُ خِرَاشٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي الْعِلْمِ: فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ ﷺ بِذَلِكَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ) بِالْفَاءِ، اسْمُ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُورِ، وَأَشَارَ بِحَبْسِهِ عَنْ مَكَّةَ إِلَى قِصَّةِ الْحَبَشَةِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ سَاقَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ مَبْسُوطَةً، وَحَاصِلُ مَا سَاقَهُ أَنَّ أَبْرَهَةَ الْحَبَشِيَّ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْيَمَنِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا بَنَى كَنِيسَةً وَأَلْزَمَ النَّاسَ بِالْحَجِّ إِلَيْهَا، فَعَمَدَ بَعْضُ الْعَرَبِ فَاسْتَغْفَلَ الْحَجَبَةَ وَتَغَوَّطَ فَهَرَبَ، فَغَضِبَ أَبْرَهَةُ وَعَزَمَ عَلَى تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ، فَتَجَهَّزَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ فِيلًا عَظِيمًا، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ خَرَجَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَعْظَمَهُ وَكَانَ جَمِيلَ الْهَيْئَةِ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ إِبِلًا لَهُ نُهِبَتْ فَاسْتَقْصَرَ هِمَّتَهُ وَقَالَ: لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ لَا تَسْأَلُنِي إِلَّا فِي الْأَمْرِ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، فَقَالَ إِنَّ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبًّا سَيَحْمِيهِ، فَأَعَادَ إِلَيْهِ إِبِلَهُ، وَتَقَدَّمَ أَبْرَهَةُ بِجُيُوشِهِ فَقَدَّمُوا الْفِيلَ فَبَرَكَ وَعَجَزُوا فِيهِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ؛ حَجَرَيْنِ فِي رِجْلَيْهِ وَحَجَرًا فِي مِنْقَارِهِ فَأَلْقَوْهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أُصِيبَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَصْحَابُ الْفِيلِ حَتَّى نَزَلُوا الصِّفَاحَ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مَوْضِعٌ خَارِجَ مَكَّةَ مِنْ جِهَةِ طَرِيقِ الْيَمَنِ، فَأَتَاهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ لَمْ يُسَلِّطْ عَلَيْهِ أَحَدًا، قَالُوا لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَهْدِمَهُ، فَكَانُوا لَا يُقَدِّمُونَ فِيلَهُمْ إِلَّا تَأَخَّرَ، فَدَعَا اللَّهُ الطَّيْرَ الْأَبَابِيلَ فَأَعْطَاهَا حِجَارَةً سَوْدَاءَ فَلَمَّا حَاذَتْهُمْ رَمَتْهُمْ، فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْهُ الْحَكَّةُ، فَكَانَ لَا يَحُكُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ جِلْدَهُ إِلَّا تَسَاقَطَ لَحْمُهُ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ أَوَّلَ مَا وَقَعَتِ الْحَصْبَاءُ وَالْجُدَرِيُّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مِنْ يَوْمئِذٍ، وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ طَيْرًا خُضْرًا خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ لَهَا رُءُوسٌ كَرُءُوسِ السِّبَاعِ، وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَنْشَأَهَا مِنَ الْبَحْرِ كَأَمْثَالِ الْخَطَاطِيفِ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي إِلَخْ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُفَصَّلًا فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ مِنْ أَبْوَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِيمَا قَبْلَهُ فِي بَابِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُلْتَقَطُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي آخِرِهِ (إِلَّا لِمُنْشِدٍ)، وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ: إِلَّا مُنْشِدٌ وَهُوَ وَاضِحٌ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ) أَيْ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَرِيبٌ كَانَ حَيًّا فَصَارَ قَتِيلًا بِذَلِكَ الْقَتْلِ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ: وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، وَهُوَ مُخْتَصَرٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَا اخْتِيَارَ لَهُ وَإِنَّمَا الِاخْتِيَارُ لِوَلِيِّهِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ: فَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَالْمُرَادُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ: فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ وَعَلَّقَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ بِلَفْظِ: فَإِنَّهُ يَخْتَارُ إِحْدَى ثَلَاثٍ؛ إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَيْ إِنْ أَرَادَ زِيَادَةً عَلَى الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ، وَسَأَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِيَارَ هَلْ هُوَ الْقَاتِلُ أَوْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ،