للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُتَعَدِّي، وَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ قُصُورًا فَإِقْبَالُهُ عَلَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى؛ لِعُسْرِ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَوْ تَرَكَ الْعِلْمَ لَأَوْشَكَ أَنْ يُضَيِّعَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بِإِعْرَاضِهِ، وَالثَّانِي لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْعِلْمِ وَتَرَكَ الْعِبَادَةَ فَاتَهُ الْأَمْرَانِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْأَوَّلِ لَهُ، وَإِعْرَاضِهِ بِهِ عَنِ الثَّانِي. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ تِسْعَةُ أَحَادِيثَ: بَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ، وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يَعْنِي السَّائِلَ، وَبَعْضُهَا بِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ.

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْخَامِسُ.

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ، كَذَا وَقَعَ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ وَهُوَ الْخُزَاعِيُّ الْمِصْرِيُّ يُكْنَى أَبَا يَحْيَى، وَاسْمُ أَبِي أَيُّوبَ مِقْلَاصٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ كَانَ سَعِيدٌ ثِقَةً ثَبْتًا، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: كَانَ فَقِيهًا، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: كَانَ فَهِمًا.

قُلْتُ: وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَقِيلٍ - وَهُوَ ابْنُ خَالِدٍ - تَدْخُلُ فِي رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ فَإِنَّهُ مِنْ طَبَقَتِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَيُونُسَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ ابْنِ عُيَيْنَةَ.

قَوْلُهُ: عَنْ أَبِيهِ) فِي رِوَايَةِ يُونُسَ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدًا.

قَوْلُهُ (إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ أَنَّهُ جَعَلَهُ عَظِيمًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ جُرْمًا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ نَفْسَهُ جُرْمٌ، قَالَ وَقَوْلُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ أَيْ فِي حَقِّهِمْ.

قَوْلُهُ (عَنْ شَيْءٍ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ أَمْرٍ.

قَوْلُهُ: لَمْ يُحَرَّمْ) زَادَ مُسْلِمٌ عَلَى النَّاسِ وَلَهُ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ رَجُلٌ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ وَنَقَّرَ عَنْهُ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ بَالَغَ فِي الْبَحْثِ عَنْهُ وَالِاسْتِقْصَاءِ.

قَوْلُهُ (فَحُرِّمَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ عَلَيْهِمْ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَلَى النَّاسِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الشَّيْءِ مِنَ الْأَمْرِ، فَيَسْأَلُونَ النَّبِيَّ وَهُوَ حَلَالٌ، فَلَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَهُ عَنْهُ حَتَّى يُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: عَنِ الْمُهَلَّبِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَتَمَسَّكُ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ فِي أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ شَيْءٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ; فَهُوَ فَاعِلُ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ، كُلُّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِهِ. وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْذِيرِ مِمَّا ذَكَرَ، فَعِظَمُ جُرْمِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْكَارِهِينَ لِفِعْلِهِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُنْكِرُونَ إِمْكَانَ التَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ وُجُوبَهُ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَدَّرُ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ إِنْ سُئِلَ عَنْهُ فَقَدْ سَبَقَ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ لَا أَنَّ السُّؤَالَ عِلَّةٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: قِيلَ الْجُرْمُ اللَّاحِقُ بِهِ إِلْحَاقُ الْمُسْلِمِينَ الْمَضَرَّةَ لِسُؤَالِهِ وَهِيَ مَنْعُهُمُ التَّصَرُّفَ فِيمَا كَانَ حَلَالًا قَبْلَ مَسْأَلَتِهِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِالْجُرْمِ هُنَا الْحَدَثُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْإِثْمِ الْمُعَاقَبِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ مُبَاحًا، وَلِهَذَا قَالَ: سَلُونِي، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ، فَقَالَ: هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ، بَلْ بَاطِلٌ، وَالصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَالتَّيْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُرْمِ الْإِثْمُ وَالذَّنْبُ، وَحَمَلُوهُ عَلَى مَنْ سَأَلَ تَكَلُّفًا وَتَعَنُّتًا فِيمَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ إِلَيْهِ، وَسَبَبُ تَخْصِيصِهِ ثُبُوتُ الْأَمْرِ بِالسُّؤَالِ عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ فَمَنْ سَأَلَ عَنْ نَازِلَةٍ وَقَعَتْ لَهُ لِضَرُورَتِهِ إِلَيْهَا فَهُوَ مَعْذُورٌ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا عَتْبَ، فَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرِ بِالسُّؤَالِ وَالزَّجْرِ عَنْهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ غَيْرِ الْأُخْرَى.

قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ شَيْئًا أَضَرَّ بِهِ غَيْرَهُ كَانَ آثِمًا، وَسَبَكَ مِنْهُ الْكِرْمَانِيُّ سُؤَالًا وَجَوَابًا، فَقَالَ: السُّؤَالُ لَيْسَ بِجَرِيمَةٍ، وَلَئِنْ كَانَتْ فَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ، وَلَئِنْ كَانَتْ فَلَيْسَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يَصِيرُ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مُبَاحٍ هُوَ أَعْظَمُ الْجُرْمِ، لِأَنَّهُ صَارَ سَبَبًا لِتَضْيِيقِ الْأَمْرِ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، فَالْقَتْلُ مَثَلًا كَبِيرَةٌ، وَلَكِنْ مَضَرَّتُهُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَقْتُولِ وَحْدَهُ، أَوْ إِلَى مَنْ هُوَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ، بِخِلَافِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ