فَضَرَرُهَا عَامٌّ لِلْجَمِيعِ، وَتَلَقَّى هَذَا الْأَخِيرُ مِنَ الطِّيبِيِّ اسْتِدْلَالًا وَتَمْثِيلًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا صَارَ كَذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ. فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَيَتَرَتَّبٌ عَلَيْهِ الْإِثْمُ وَيَتَعَدَّى ضَرَرُهُ بِعِظَمِ الْإِثْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجَمَاعَةُ مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ﷺ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنِ الْحَجِّ: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ثُمَّ تَرَكْتُمْ لَضَلَلْتُمْ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتُمْ وَبِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مِثْلُهُ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَإِطْلَاقُ الْكُفْرِ إِمَّا عَلَى مَنْ جَحَدَ الْوُجُوبَ فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِمَّا عَلَى مَنْ تَرَكَ مَعَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عِظَمُ الذَّنْبِ بِحَيْثُ يَجُوزُ وَصْفُ مَنْ كَانَ السَّبَبُ فِي وُقُوعِهِ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا عَفَّانُ ; وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إِنَّمَا يَقُولُ أَنَا وَلِأَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ عَفَّانَ، وَلَوْ كَانَ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ لَمَا عَدَلَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: اتَّخَذَ حُجْرَةً) بِالرَّاءِ لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي بِالزَّايِ وَهُمَا بِمَعْنًى.
قَوْلُهُ (مِنْ صَنِيعِكُمْ) فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ صُنْعِكُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَهُمَا بِمَعْنًى، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ بَابِ إِيجَابِ التَّكْبِيرِ، فَذَكَرَ أَبْوَابَ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَسَاقَهُ هُنَاكَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ وُهَيْبٍ، وَتَقَدَّمَتْ سَائِرُ فَوَائِدِهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي مَعْنَاهُ فِي بَابِ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُفْهَمُ مِنْ إِنْكَارِهِ ﷺ مَا صَنَعُوا مِنْ تَكَلُّفِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِيهِ مِنَ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ - وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا الرَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ - حَدِ ثُ أَبِي مُوسَى قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ غَضِبَ عُرِفَ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُرَادَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ﴾ وَمِنْهَا سُؤَالُ مَنْ سَأَلَ أَيْنَ نَاقَتِي وَسُؤَالُ مَنْ سَأَلَ عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَسُؤَالُ مَنْ سَأَلَ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ وَسُؤَالُ مَنْ سَأَلَ عَنِ الْحَجِّ أَيَجِبُ كُلَّ عَامٍ وَسُؤَالُ مَنْ سَأَلَ أَنْ يُحَوِّلَ الصَّفَا ذَهَبًا، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ فِي الدَّعَوَاتِ وَفِي الْفِتَنِ: سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَحْفُوهُ بِالْمَسْأَلَةِ، وَمَعْنَى أَحْفُوهُ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ: أَكْثَرُوا عَلَيْهِ حَتَّى جَعَلُوهُ كَالْحَافِي، يُقَالُ أَحْفَاهُ فِي السُّؤَالِ إِذَا أَلَحَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: وَقَالَ سَلُونِي) فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَقْتَ وُقُوعِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ، وَلَفْظُهُ: خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي) بَيَّنَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ اسْمَهُ، وَفِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ سَبَبَ سُؤَالِهِ، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى - أَيْ خَاصَمَ - دُعِيَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَذَكَرْتُ اسْمَ السَّائِلِ الثَّانِي، وَأَنَّهُ سَعْدٌ. وَإِنِّي نَقَلْتُهُ مِنْ تَرْجَمَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ مِنْ تَمْهِيدِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَةِ بَعْدَ حَدِيثَيْنِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ مُدْخَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: النَّارُ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ، كَأَنَّهُمْ أَبْهَمُوهُ عَمْدًا لِلسَّتْرِ عَلَيْهِ، ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي فِرَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ نَحْوُهُ وَزَادَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: فِي الْجَنَّةِ أَنَا؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْآخَرِ، وَنَقَلَ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute