للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُسْمَعْ، كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَلِأَبِي ذَرٍّ، عَنِ السَّرَخْسِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْفَوْقَانِيَّةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَوْلُهُ: سَلْ تُعْطَهُ لِأَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي: تُعْطَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِلَا هَاءٍ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ.

قَوْلُهُ: (يَدُ اللَّهِ) تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الزِّيَادَةِ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ لَكِنْ سَاقَهَا فِيهِ مُسْلِمٌ، وَأَفْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ﴾ وَوَقَعَ فِيهَا بَدَلَ يَدُ اللَّهِ يَمِينُ اللَّهِ، وَيُتَعَقَّبُ بِهَا عَلَى مَنْ فَسَّرَ الْيَدَ هُنَا بِالنِّعْمَةِ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْخَزَائِنِ، وَقَالَ: أَطْلَقَ الْيَدَ عَلَى الْخَزَائِنِ لِتَصَرُّفِهَا فِيهَا.

قَوْلُهُ: (مَلْأَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهَمْزَةٍ مَعَ الْقَصْرِ تَأْنِيثُ مَلْآنَ وَوَقَعَ بِلَفْظِ: مَلْآنَ. فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَقِيلَ هِيَ غَلَطٌ، وَوَجَّهَهَا بَعْضُهُمْ بِإِرَادَةِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهَا تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَكَذَلِكَ الْكَفُّ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: مَلْأَى أَوْ مَلْآنَ لَازِمُهُ وَهُوَ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْغِنَى وَعِنْدَهُ مِنَ الرِّزْقِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي عِلْمِ الْخَلَائِقِ.

قَوْلُهُ: (لَا يَغِيضُهَا) بِالْمُعْجَمَتَيْنِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، أَيْ: لَا يُنْقِصُها، يُقَالُ: غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ إِذَا نَقَصَ.

قَوْلُهُ: (سَحَّاءُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُثَقَّلٌ مَمْدُودٌ، أَيْ: دَائِمَةُ الصَّبِّ، يُقَالُ: سَحَّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُثَقَّلٌ، يَسِحُّ بِكَسْرِ السِّينِ فِي الْمُضَارِعِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، وَضُبِطَ فِي مُسْلِمٍ: سَحًّا بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ.

قَوْلُهُ: (اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ: فِيهِمَا، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: سَحَّ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ بِالْإِضَافَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا.

قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ) تَنْبِيهٌ عَلَى وُضُوحِ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ.

قَوْلُهُ: (مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) سَقَطَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ رِوَايَةُ هَمَّامٍ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ)، أَيْ: يَنْقُصْ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ: لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَلْأَى وَلَا يَغِيضُهَا: وَسَحَّاءُ وَأَرَأَيْتَ أَخْبَارًا مُتَرَادِفَةً لِيَدِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةُ أَوْصَافًا لِمَلْأَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: أَرَأَيْتُمْ اسْتِئْنَافًا فِيهِ مَعْنَى التَّرَقِّي، كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ: مَلْأَى أَوْهَمَ جَوَازَ النُّقْصَانِ فَأُزِيلَ بِقَوْلِهِ: لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ، وَقَدْ يَمْتَلِئُ الشَّيْءُ وَلَا يَغِيضُ، فَقِيلَ: سَحَّاءُ إِشَارَةٌ إِلَى الْغَيْضِ وَقَرَنَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ غَيْرُ خَافٍ عَلَى ذِي بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ بَعْدَ أَنِ اشْتَمَلَ مِنْ ذِكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِقَوْلِهِ: أَرَأَيْتُمْ عَلَى تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ عَامٌّ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلتَّقْرِيرِ، قَالَ: وَهَذَا الْكَلَامُ إِذَا أَخَذْتَهُ بِجُمْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مُفْرَدَاتِهِ أَبَانَ زِيَادَةَ الْغِنَى وَكَمَالَ السَّعَةِ وَالنِّهَايَةَ فِي الْجُودِ وَالْبَسْطَ فِي الْعَطَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ: عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) سَقَطَ لَفْظُ: قَالَ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْعَرْشِ هُنَا أَنَّ السَّامِعَ يَتَطَلَّعُ مِنْ قَوْلِهِ: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَرْشَهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كان عَلَى الْمَاءِ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَاضِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ: كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

قَوْلُهُ: (وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانَ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ)، أَيْ: يَخْفِضُ الْمِيزَانَ وَيَرْفَعُهَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمِيزَانُ مَثَلٌ، وَالْمُرَادُ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَى الْمِيزَانِ أَنَّهُ قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ وَوَقَّتَهَا وَحَدَّدَهَا فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مِنْهُ وَبِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ: وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ أَوِ الْقَبْضُ الْأُولَى بِفَاءٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ، وَالثَّانِيَةُ بِقَافٍ وَمُوَحَّدَةٍ، كَذَا لِلْبُخَارِيِّ بِالشَّكِّ، وَلِمُسْلِمٍ بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ بِلَا شَكٍّ، وَعَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ بِالْفَاءِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ قَبْضُ الْأَرْوَاحِ بِالْمَوْتِ، وَبِالْفَيْضِ الْإِحْسَانُ بِالْعَطَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَوْتِ، يُقَالُ: فَاضَتْ نَفْسُهُ إِذَا مَاتَ، وَيُقَالُ: بِالضَّادِ وَبِالظَّاءِ، اهـ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِمَعْنَى الْمِيزَانِ لِيُوَافِقَ رِوَايَةَ الْأَعْرَجِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ الَّذِي يُوزَنُ بِالْمِيزَانِ يَخِفُّ وَيَرْجَحُ، فَكَذَلِكَ مَا يُقْبَضُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ