للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ قَدْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ: الْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَابْنِ حِبَّانَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِسْطِ الْمِيزَانُ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي قَوْلِهِ: يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ لِلْمِيزَانِ كَمَا بَدَأْتُ الْكَلَامَ بِهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: ذَكَرَ الْقَبْضَ وَالْبَسْطَ وَإِنْ كَانَتِ الْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ لِتَفْهِيمِ الْعِبَادِ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهَا الْمُخْتَلِفَاتِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: بِيَدِهِ الْأُخْرَى إِلَى أَنَّ عَادَةَ الْمُخَاطَبِينَ تَعَاطِي الْأَشْيَاءِ بِالْيَدَيْنِ مَعًا، فَعَبَّرَ عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ بِذِكْرِ الْيَدَيْنِ لِتَفْهِيمِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِمَا اعْتَادُوهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لَفْظَ الْبَسْطِ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ مُقَابِلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: (مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَذِكْرُ عَمِّهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضَ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِي فِي بَابِ قَوْلِهِ مَلِكِ النَّاسِ: يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ، وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ الَّتِي يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى مَنْ وَصَلَهَا: يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَيَطْوِي الْأَرْضَ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بَدَلَ قَوْلِهِ: بِشِمَالِهِ: بِيَدِهِ الْأُخْرَى. وَزَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَأَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَيَجْعَلُهُمَا فِي كَفِّهِ ثُمَّ يَرْمِي بِهِمَا كَمَا يَرْمِي الْغُلَامُ بِالْكُرَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ: أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ مَالِكٍ)، يَعْنِي: عَنْ نَافِعٍ، وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْآجُرِّيِّ، عَنْ سَعِيدٍ - وَهُوَ ابْنُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي زَنْبَرٍ، بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ، بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٌ، وَهُوَ مَدَنِيٌّ سَكَنَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِالرَّيِّ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عُثْمَانَ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: إِنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ، وَقَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مِمَّنِ اسْمُهُ سَعِيدٌ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَصَرَّحَ الْمِزِّيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّ الَّذِي عَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا هُوَ الزُّبَيْرِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ)، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَشَيْخُهُ سَالِمٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَمُّ عُمَرَ الْمَذْكُورُ، وَحَدِيثُهُ هَذَا وَصَلَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِذِكْرِ الشِّمَالِ فِيهِ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا نَافِعُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ بِدُونِهَا، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ كَذَلِكَ، وَثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَفَعَهُ -: الْمُقْسِطُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرٍ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ آدَمُ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي، وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ. وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ بِقَافٍ وَمُثَنَّاةٍ ثَقِيلَةٍ، وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُثَنَّاةٌ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ قَالَ: وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَأَخَذَهُ بِيَمِينِهِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: كَذَا جَاءَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الشِّمَالِ عَلَى يَدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُقَابَلَةِ الْمُتَعَارَفَةِ، وَفِي حَقِّنَا، وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَقَعَ التَّحَرُّزُ عَنْ إِطْلَاقِهَا عَلَى اللَّهِ حَتَّى قَالَ: وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ نَقْصٌ فِي صِفَتِهِ ؛ لِأَنَّ الشِّمَالَ فِي حَقِّنَا أَضْعَفُ مِنَ الْيَمِينِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْيَدِ صِفَةٌ لَيْسَتْ جَارِحَةً، وَكُلُّ مَوْضِعٍ جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ