للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ مَالِكٌ فَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ، وَكَيْفَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ، وَمَا أَرَاكَ إِلَّا صَاحِبَ بِدْعَةٍ أَخْرِجُوهُ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ الْمَنْقُولِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَكِنْ قَالَ فِيهِ: وَالْإِقْرَارُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَشَرِيكٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ لَا يُحَدِّدُونَ، وَلَا يُشَبِّهُونَ، وَيَرْوُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، وَلَا يَقُولُونَ: كَيْفَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ قَوْلُنَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلَى هَذَا مَضَى أَكَابِرُنَا وَأَسْنَدَ اللَّالَكَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي صِفَةِ الرَّبِّ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلَا تَفْسِيرٍ، فَمَنْ فَسَّرَ شَيْئًا مِنْهَا وَقَالَ بِقَوْلِ جَهْمٍ فَقَدْ خَرَجَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الرَّبَّ بِصِفَةِ لَا شَيْءَ، وَمِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، وَمَالِكًا، وَالثَّوْرِيَّ، وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَةُ فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لِلَّهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا رَدُّهَا، وَمَنْ خَالَفَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَأَمَّا قَبْلَ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَلَا الرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ، فَنُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَنْفِي عَنْهُ التَّشْبِيهَ كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسِيرُهُ تِلَاوَتُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ

الضُّبَعِيِّ، قَالَ: مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ قَالَ: بِلَا كَيْفٍ، وَالْآثَارُ فِيهِ عَنِ السَّلَفِ كَثِيرَةٌ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النُّزُولِ: وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، كَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يُشْبِهُهُ مِنَ الصِّفَاتِ، وَقَالَ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ: قَدْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فَنُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نَتَوَهَّمُ، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ، كَذَا جَاءَ عَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُمْ أَمَرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَأَنْكَرُوهَا، وَقَالُوا: هَذَا تَشْبِيهٌ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ لَوْ قِيلَ: يَدٌ كَيَدٍ وَسَمْعٌ كَسَمْعٍ، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ قَالَ الْأَئِمَّةُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ، مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يُكَيِّفُوا شَيْئًا مِنْهَا؛ وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ، فَقَالُوا: مَنْ أَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُشَبِّهٌ فَسَمَّاهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُعَطِّلَةٌ، وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ: اخْتَلَفَتْ مَسَالِكُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الظَّوَاهِرِ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ تَأْوِيلَهَا وَالْتَزَمَ ذَلِكَ فِي آيِ الْكِتَابِ وَمَا يَصِحُّ مِنَ السُّنَنِ، وَذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى الِانْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيلِ وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى

مَوَارِدِهَا وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ عَقِيدَةً اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ، فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ حَتْمًا لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهِ فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ، انْتَهَى.

وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّالِثِ، وَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ كَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثُ وَمَنْ عَاصَرَهُمْ، وَكَذَا مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ لَا يَوْثُقُ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقُرُونِ