أَنْبَأَنَا أَبُو حَمْزَةَ هُوَ السُّكَّرِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، وَقَوْلُهُ: عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ: حَدَّثَنَا جَامِعٌ، وَجَامِعٌ هَذَا يُكْنَى أَبَا صَخْرَةَ.
قَوْلُهُ: (إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، فَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ وَحَّدَ بَيْنَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَبَيْنَ الْقِصَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ، فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى، وَبِلَالٌ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ، فَقَالَ: رَدَّ الْبُشْرَى، فَاقْبَلَا أَنْتُمَا، قَالَا: قَبِلْنَا. الْحَدِيثَ فَفَسَّرَ الْقَائِلَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ، وَفَسَّرَ أَهْلَ الْيَمَنِ بِأَبِي مُوسَى وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ التَّصْرِيحُ فِي قِصَّةِ أَبِي مُوسَى بِأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِالْجِعْرَانَةِ، وَظَاهِرَ قِصَّةِ عِمْرَانَ أَنَّهَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فَافْتَرَقَا وَزَعَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الْقَائِلَ: أَعْطِنَا هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ.
قَوْلُهُ: (إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي الْمَغَازِي: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إِرَادَةِ بَعْضِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَالْمُرَادُ وَفْدُ تَمِيمٍ كما جَاءَ صَرِيحًا عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُؤَمِّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ: جَاءَ وَفْدٌ بَنِي تَمِيمٍ.
قَوْلُهُ: (اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ: أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ نَجَا مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ جَزَاؤُهُ عَلَى وَفْقِ عَمَلِهِ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: بَشَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنَّةِ حَيْثُ عَرَّفَهُمْ أُصُولَ الْعَقَائِدِ الَّتِي هِيَ الْمَبْدَأُ وَالْمَعَادُ وَمَا بَيْنَهُمَا، كَذَا قَالَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّعْرِيفُ هُنَا لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ فِي قَوْلِ بَنِي تَمِيمٍ: جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَا يَنْعَقِدُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحْدَهَا، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْيَمَنِ لَا بَنِي تَمِيمٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ التِّينِ، لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ مَا نَصُّهُ: دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَهْلَ الْيَمَنِ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ هَذَا الرَّاوِي كَأَنَّهُ اخْتَصَرَ الْحَدِيثَ فَوَقَعَ فِي هَذَا الْوَهْمِ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا). زَادَ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ: مَرَّتَيْنِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَامِعٍ فِي الْمَغَازِي: فَقَالُوا: أَمَا إِذَا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، وَفِيهَا: فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ: فَكَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَرِهَ ذَلِكَ. وَفِي أُخْرَى فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ أَيْضًا: فَرُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَفِيهَا: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشَّرْتَنَا وَهُوَ دَالٌّ عَلَى إِسْلَامِهِمْ، وَإِنَّمَا رَامُوا الْعَاجِلَ، وَسَبَبُ غَضَبِهِ ﷺ اسْتِشْعَارُهُ بِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ لِكَوْنِهِمْ عَلَّقُوا آمَالَهُمْ بِعَاجِلِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ، وَقَدَّمُوا ذَلِكَ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ الَّذِي يُحَصِّلُ لَهُمْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: دَلَّ قَوْلُهُمْ: بَشَّرْتَنَا عَلَى أَنَّهُمْ قَبِلُوا فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ طَلَبُوا مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا نَفَى عَنْهُمُ الْقَبُولَ الْمَطْلُوبَ لَا مُطْلَقَ الْقَبُولِ، وَغَضِبَ حَيْثُ لَمْ يَهْتَمُّوا بِالسُّؤَالِ عَنْ حَقَائِقِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَلَمْ يَعْتَنُوا بِضَبْطِهَا وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْ مُوجِبَاتِهَا وَالْمُوَصِّلَاتِ إِلَيْهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ جُلُّ اهْتِمَامِهِمْ إِلَّا بِشَأْنِ الدُّنْيَا، قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَمِنْ ثَمَّ قَالَ: إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ.
قَوْلُهُ: (فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ) فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ: فَجَاءَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا: قَبِلْنَا) زَادَ أَبُو عَاصِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَذَا عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute