تَعَالَى، وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرْتُهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَحْرِ، بِمَعْنَى أَنَّ أَرْجُلَ حَمَلَتْهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ، مِمَّا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ قَالَ: إِنَّ الصَّخْرَةَ الَّتِي الْأَرْضُ السَّابِعَةُ عَلَيْهَا، وَهِيَ مُنْتَهَى الْخَلْقِ عَلَى أَرْجَائِهَا أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَجْهُ إِنْسَانٍ وَأَسَدٍ وَثَوْرٍ وَنِسْرٍ، فَهُمْ قِيَامٌ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطُوا بِالْأَرَضِينَ وَالسَّمَاوَاتِ، رُءُوسُهُمْ تَحْتَ الْكُرْسِيِّ وَالْكُرْسِيُّ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي التَّفْسِيرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ) كَذَا لِلْجَمِيعِ غَيْرُ مَنْسُوبِ، وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّهُ أَحْمَدُ بْنُ يَسَارٍ الْمَرْوَزِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، يَعْنِي: الْمَذْكُورَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَشَيْخُهُ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَجَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ وَاسِطَةً، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ هُنَاكَ مَبْسُوطًا.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَنَسٌ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ)، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْهُ نَزَلَتْ: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانَ زَيْدٌ يَشْكُو وَهَمَّ بِطَلَاقِهَا يَسْتَأْمِرُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هُنَا بِلَفْظِ: وَعَنْ ثَابِتٍ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ إِلَخْ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ مَوْصُولٌ أَنَّهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ كَاتِمًا إِلَخْ، فَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَوْصُولًا عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ نَسَبَ قَوْلَهُ: لَوْ كَانَ كَاتِمًا لَكَتَمَ قِصَّةَ زَيْنَبَ إِلَى عَائِشَةَ، قَالَ: وَعَنْ غَيْرِهَا: لَكَتَمَ عَبَسَ وَتَوَلَّى، قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْتُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ حَدِيثَ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ الْحَدِيثَ، وَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ لَفْظِهِ ﷺ: لَوْ كُنْتُ كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ الْحَدِيثَ، وَاقْتَصَرَ عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ عَلَى نِسْبَتِهَا إِلَى عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَغْفَلَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي عَبَسَ وَتَوَلَّى فَلَمْ أَرَهَا إِلَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَحَدِ الضُّعَفَاءِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لَكَتَمَ هَذَا عَنْ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ قِصَّةَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَنُزُولَ عَبَسَ وَتَوَلَّى، انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ الْقِصَّةَ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرِيُّ، وَالْحَاكِمُ مَوْصُولَةً عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَأَخْرَجَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلَةً وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ هِشَامٍ، وَتَفَرَّدَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ بِوَصْلِهِ عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهَا ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ كَذَلِكَ بِدُونِهَا، وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَوْرَدَهَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ، وَالضَّحَّاكِ، وَالْحَكَمِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى قَوْلِهَا - وَزَوَّجَنِي اللَّهُ ﷿ مِنْ فَوْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute