ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالطَّوَاغِيتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا هُنَاكَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: نَعُوذُ بِكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى مَا عَرَفُوهُ حِينَ أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ ثُمَّ أَنْسَاهُمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يُذَكِّرُهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ: فَإِذَا رَأَيْنَا رَبَّنَا عَرَفْنَاهُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لَهُمْ مَلَكًا لِيَخْتَبِرَهُمْ فِي اعْتِقَادِ صِفَاتِ رَبِّهِمُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَإِذَا قَالَ لَهُمْ: أَنَا رَبُّكُمْ رَدُّوا عَلَيْهِ لِمَا رَأَوْا عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ، فَقَوْلُهُ: فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، أَيْ: إِذَا ظَهَرَ لَنَا فِي مُلْكٍ لَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ، وَعَظَمَةٍ لَا تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ تَعْرِفُونَهَا، فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُمْ عَلَامَةً تَجَلِّيهِ السَّاقُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَمْتَحِنُهُمْ بِإِرْسَالِ مَنْ يَقُولُ لَهُمْ: أَنَا رَبُّكُمْ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ وَهِيَ وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهَا فِي عَذَابِ الْقَبْرِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَتَنَاوَلَ يَوْمَ الْمَوْقِفِ أَيْضًا، قَالَ: وَأَمَّا السَّاقُ فَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قَالَ: عَنْ شِدَّةٍ مِنَ الْأَمْرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ إِذَا اشْتَدَّتْ، وَمِنْهُ:
قَدْ سَنَّ أَصْحَابُكَ ضَرْبَ الْأَعْنَاقِ … وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقِ
وَجَاءَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا عَنْ نُورٍ عَظِيمٍ. قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ: مَعْنَاهُ مَا يَتَجَدَّدُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْأَلْطَافِ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: كَشْفُ السَّاقِ لِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةٌ وَلِغَيْرِهِمْ نِقْمَةٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَهَيَّبَ كَثِيرٌ مِنَ الشُّيُوخِ الْخَوْضَ فِي مَعْنَى السَّاقِ، وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ يَكْشِفُ عَنْ قُدْرَتِهِ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا الشِّدَّةُ.
وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ، وَزَادَ: إِذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَتْبِعُوهُ مِنَ الشِّعْرِ، وَذَكَرَ الرَّجَزَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ، وَأَنْشَدَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِطْلَاقِ السَّاقِ عَلَى الْأَمْرِ الشَّدِيدِ: فِي سَنَةٍ قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يُرِيدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ النَّفْسُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَيْمَا مُجَرَّدَةً وَلَيْسَ بَعْدَهَا لَفْظُ يَسْجُدُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنِ الْكُوفِيِّينَ: إِنَّ كَيْ نَاصِبَةٌ دَائِمًا، قَالَ: وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ: كَيْمَهْ، كَمَا يَقُولُونَ: لِمَهْ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ التَّقْدِيرَ كَيْ تَفْعَلَ مَاذَا، وَيَلْزَمُهُمْ كَثْرَةُ الْحَذْفِ وَإِخْرَاجُ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ عَنِ الصَّدْرِ وَحَذْفُ أَلِفِهَا فِي غَيْرِ الْجَرِّ، وَحَذْفُ الْفِعْلِ الْمَنْصُوبِ مَعَ بَقَاءِ عَامِلِ النَّصْبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ، نَعَمْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ فَيَذْهَبُ كَيْمَا فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، أَيْ: كَيْمَا يَسْجُدُ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَكَأَنَّهُ وَقَعَتْ لَهُ نُسْخَةٌ سَقَطَتْ مِنْهَا هَذِهِ اللَّفْظَةُ؛ لَكِنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا حَتَّى أَنَّ ابْنَ بَطَّالٍ ذَكَرَهَا بِلَفْظِ: كَيْ يَسْجُدَ بِحَذْفِ مَا، وَكَلَامُ ابْنِ هِشَامٍ يُوهِمُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَهُ فِي التَّفْسِيرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ ذَكَرَهَا هُنَا فَقَطْ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَجَازَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقِصَّةِ أَبِي لَهَبٍ، وَأَنَّ اللَّهَ كَلَّفَهُ الْإِيمَانَ بِهِ مَعَ إِعْلَامِهِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ، وَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، قَالَ: وَمَنَعَ الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ وَأَجَابُوا عَنِ السُّجُودِ بِأَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ إِلَيْهِ تَبْكِيتًا إِذْ أَدْخَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمُؤْمِنِينَ السَّاجِدِينَ فِي الدُّنْيَا فَدُعُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى السُّجُودِ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ نِفَاقَهُمْ وَأَخْزَاهُمْ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute